قال السهيلي بعد إيراده: والله قادر على كل شيء، وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء، ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يختص بما شاء من فضله، وينعم عليه بما شاء من كرامته؛
وقال القرطبي لا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الاستغفار، فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع، ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا لما ذكر من الأخبار،
وقال العلامة ابن المنير المالكي في المقتفى في شرف المصطفى قد وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى نظير ما وقع لعيسى بن مريم إلى أن قال وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحيي له أبويه فأحياهما له فآمنا به وصدقاه وماتا مؤمنين.
وقال القرطبي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل تتوالى، وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنع عقلا ولا شرعا، فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله، وكان عيسى عليه السلام يحي الموتى، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أحيا الله على يديه جماعة من الموتى، وإذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته وفضيلته صلى الله عليه وسلم،
وقال ابن سَيِّد الناس بعد ذكر قصة الإحياء: والأحاديث الواردة في التعذيب ذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه وأزلفه إلى ما خصه لديه من الكرامة حين القدوم، فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه وسلم بعد أن لم تكن، وأن يكون الإحياء والإيمان متأخرين عن تلك الأحاديث، فلا تعارض انتهى.
ثم قال السيوطي وقد سُئِلت أن أنظم هذه المسألة أبياتا أختم بها هذا التأليف، فقلت: <صفحة 63>
إن الذي بعث النبي محمد * نجى به الثقلين مما يجحف
ولأمه وأبيه حكم شائع * أبداه أهل العلم فيما صنفوا:
فجماعة أجروهما مجرى الذي * لم يأته خبر الدعاة المسعف
والحكم فيمن لم تجئه دعوة * أن لا عذاب عليه حكم يؤلف
فبذاك قال الشافعية كلهم * والأشعرية ما بهم متوقف
وبسورة الإسراء فيها حجة * وبنحو ذا في الذكر آي تعرف
ولبعض أهل الفقه في تعليله * معنى أرق من النسيم وألطف
إذ هم على الفطر الذي ولدوا، ولم * يظهر عناد منهم وتخلف
ونحا الإمام الفخر رازي الورى * معنى به للسامعين تشنف
قال: الأولى ولدوا النبي المصطفى * كل على التوحيد إذ يتحفَّف
من آدم لأبيه عبد الله ما * فيهم أخو شرك ولا مستنكف
فالمشركون كما بسورة توبة * نجس، وكلهم بطهر يوصف
وبسورة الشعراء فيه تقلب * في الساجدين، فكلهم متحنف
هذا كلام الشيخ فخر الدين في * أسراره هطلت عليه الذرف
فجزاه رب العرش خير جزائه * وحباه جنات النعيم تزخرف
فلقد تدين في زمان الجاهلية فرقة دين الهدى وتحنفوا
زيد بن عمر، وابن نوفل هكذا الصديق ما شرك عليه يعنف
قد قرر السبكي بذاك مقالة * للأشعري، وما سواه مزيف
إذ لم تزل عين الرضا منه على الصديق وهو بطول عمر أحنف
عادت عليه صحبة الهادي، فما * في الجاهلية للضلالة يعرف
فلأمه وأبوه أحرى، سيما * وارت من الآيات ما لا يوصف،
وجماعة ذهبوا إلى إحياءه * أبويه حتى آمنا لا خوف
وروى ابن شاهين حديثا مسندا * في ذاك، لكن الحديث مضعف،
هذي مسالك لو تفرد بعضها * لكفى، فكيف بها إذ تتألف<صفحة 64>
وبحسب من لا يرتضيها صمته * أدبا، ولكن أين من هو منصف
صلى الإله على النبي محمد * ما جدد الدين الحنيف محنف
انتهى. ،