تنبيه: اختلفوا هل الأرواح خلقت قبل الأجساد أم معها؟ والراجح الأول، بل ادعى فيه ابن حزم الإجماع، واستدل بحديث ضعيف جدا، ولفظه إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وقيل خلقت مع الأجساد، وجرى عليه جماعة، واستدلوا بما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، وأجيب بأن نفخ الروح غير<صفحة 122 > خلقها فهي موجودة أولا، فإذا خلقت الأجساد نفخت الأرواح فيها فتأمل،
وقال ابن حجر المكي في فتاواه الحديثية ما روي عن ابن عباس أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنه لا أصل له، وأيضا خبر خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ضعيف جدا فلا يعول عليه قال نعم صح أن الله قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وذلك شامل للأرزاق انتهى.
316 - الأرضون سبْع، في كل أرض نبي كنبيكم.
رواه البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح كما قال الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى {الذي خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن} قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى، وفي لفظ كآدمكم وكنوحكم وكإبراهيمكم وكعيساكم، قال البيهقي في الشعب هو شاذ بالمرة،
قال السيوطي هذا من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، لاحتمال صحة الإسناد مع أن في المتن شذوذا أو علة تمنع صحته.
وقيل: هل آدم ومن بعده المذكورون فيما عدا الأرض الأولى من الأنس أو من غيرهم؟ وهل هم متعبدون بمثل من تعبد في الأرض الأولى؟ وهل هم مقارنون لهم في زمنهم؟
قال ابن حجر الهيثمي في فتاويه: إذا تبين ضعف الحديث، أغنى ذلك عن تأويله، لأن مثل هذا المقام لا تقبل فيه الأحاديث الضعيفة.
وقال: يمكن أن يؤول الحديث على أن المراد بهم النذر الذين كانوا يُبَلـّغون الجن عن أنبياء البشر، ولا يبعد أن يسمى باسم النبي الذي بُلـّغَ عنه. انتهى. فتدبر، فإنه لو صح في نبينا لم يستقم في غيره.
وقال ابن كثير بعد عزوه لابن جرير بلفظ "في كل أرض من الخلق مثل ما في هذه حتى آدم كآدمكم وإبراهيم كإبراهيمكم" هو محمول إن صح عن ابن عباس على أنه أخذه من الإسرائيليات، وذلك وأمثاله إذا لم يصح سنده إلى معصوم فهو مردود على قائله انتهى.
تنبيه: ورد في الحديث <صفحة 123 > أن بين كل أرض وأرض مسيرة خمسمائة عام، كما بين كل سماء وسماء فقد أخرج الحافظ ابن رجب في كتاب التخويف من النار بسنده عن عبد الله ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأرضين سبع: بين كل أرض إلى التي تليها مسيرة خمسمائة عام، فالعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في سماء، والحوت على صخرة، والصخرة بيد ملك، والثانية مسجن الريح، فلما أراد أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا، قال: يا رب أَرسِلُ عليهم من الريح قدر منخر الثور، قال له الجبار تبارك وتعالى: إذا تُكْفأ الأرض ومن عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله تعالى في كتابه {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} . والثالثة فيها حجارة جهنم، والرابعة فيها كبريت جهنم،
قالوا يا رسول الله: للنار كبريت؟
قال نعم، والذي نفسي بيده إن فيها لأودية من كبريت لو أرسلت فيها الجبال الرواسي لانماعت، والخامسة فيها حياة جهنم وإن أفواهها كالأودية تلسع الكافر اللسعة فلا يبقى منه لحم على وضم، (الظاهر: عظم، لأن الوضم ما وفيت به اللحم عن الأرض من خشب ونحوه) والسادسة فيها عقارب، وإن أدنى عقرب منها كالبغال الموكفة تضرب الكافر ضربة ضربتها حر جهنم. والسابعة سقر، وفيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه ويد خلفه، فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء من عباده أطلقه.
أخرجه الحاكم في آخر المستدرك وقال تفرد به أبو الشيخ والحديث صحيح، لكن رفعه منكر، ولعله موقوف انتهى.
وأقول لعل سُمْكَ كل أرض مسيرة خمسمائة عام كسُمْكِ السماوات كما ورد بذلك الحديث عن سيد السادات فتدبر.