ورواه أبو داود وأحمد أيضا عن أبي قِلابة قال: قال أبو مسعود لأبي عبد الله، أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا؟ فذكره. وأبو عبد الله المذكور هو حذيفة بن اليمان كما جزم به القضاعي، وقال إنه كان مع أبي مسعود بالكوفة، وكانا يتجالسان ويسأل أحدهما الأخر، لكن نَظَّر فيه الحافظ ابن حجر لأن أبا قِلابة لم يدرك حذيفة مع أن <صفحة 346 > أبا قِلابة صرح بتحديث حذيفة له.
وأيّدَه في المقاصد لأن ابن مندة جزم بأنه غيره، وقد جزم ابن عساكر بأن أبا قلابة لم يسمع من أبي مسعود أيضا.
ويستأنس له بما رواه الخرائطي في المساوئ عن أبي قلابة عن أبي المهلب يعني عمه أن عبد الله بن عامر قال: يا أبا مسعود ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا؟ قال سمعته يقول: بئس مطيةُ الرجلِ زعموا، ورجاله موَثـّقون فثبت اتصاله، وتأكد الجزم بأنه عن أبي مسعود.
وفي الباب عن يحيى بن أبي هانئ عن أبيه وهو أحد المخضرمين أنه قال لابنه: هب لي من كلامك كلمتين: "زعم" و "سوف" أخرجه الخرائطي في المساوئ مضافا للحديث، وترجم لهما: "كراهة إكثار الرجل من قوله زعموا".
قال الخطابي: أصل هذا أن الرجل إذا أراد الظَعْنَ في حاجته والسير إلى بلد، ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته، فشبّهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما يقدم الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم "زعموا" بالمطية، وإنما يقال "زعموا" في حديث لا سند له ولا يثبت، إنما هو شيء محكي على سبيل المبالغة، فذم النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيله وأمر بالتوثيق فيما يحكيه والتثبت فيه، فلا يروي شيئا حتى يكون مَعْزُوّاً إلى ثَبْتٍ. انتهى. ويؤيده حديث: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، وسيأتي.