البلد أم المنتخب؟
الرياضة بالنسبة للكثيرين هي وسيلة للتـــعرف على الشعوب وعاداتها وقدراتها، اضافة طبعا الى عنصر الترفيه والاستمتاع والإثارة ، ويبدو هذا جليا في المناسبات الكبرى لكرة القدم. وهذا ما ورد في ذهني وأنا أشاهد ملحمة رياضية بامتياز في نتائج الدور قبل النهائي لمسابقة كأس آسيا، والتي شهدت وصول منتخبي السعودية والعراق للمباراة النهائية عن جدارة واستحقاق بعد فوزهما على كل من اليابان وكوريا الجنوبية، بعد أداء اسطوري لكل منهما.
القصة العجيبة والدرامية هي وصول فريق العراق للمباراة النهائية وسط تعاطف كبير من المشاهدين، ووضع العراق في هذه البطولة ووصوله للمرحلة النهائية يوصف عادة بقصة سندريلا، التي لم يتوقع أحد أن تكتب لها النهاية السعيدة في حال العراق.. البلد الممزق بالاحتلال الاجنبي والإرهاب والاقتتال البيني، الذي ولد فتنة هائلة وحربا أهلية كبيرة.
كان لافتا ومثيرا حجم التعاطف العام من تيارات متغايرة مع المنتخب العراقي، وكيف أنه منتخب «شقيق» وهم «إخوة» لنا ونحن «أمة» واحدة، وبالتمعن في الخطابات واللهجات المؤيدة للمنتخب العراقي لا بد من مراجعة الوضع المجنون على الساحة العراقية نفسها، وطرح سؤال من الذي يسيل الدماء في العراق فعلا ؟ طبعا هناك سبب بديهي يشير اليه الجميع، وهو وجود احتلال اجنبي، وطبعا هذه مسألة صحــيحة، القــوى الاجنـبية تحــتل العــراق بخطة قذرة قادتها جماعة المحافظين الجدد، ولكن التكفيريين استغلوا هذا السبب وراحوا يقتلون ويفجرون مــن يخــالفهم رأيهم من أبناء الدين نفسه، ليبلغ أعداد من قتلوا من قبلهم أضعافا مضاعفة ممن قتلوا على يد جنود الاحتلال، وهناك فكر طائفي يستقوي بقوى اقليمية لينتقم ويوسع نفوذه بشكل هستيري، وهناك أذناب حزب البعث، الذي كان يحكم العراق ويخشى من سحقه للأبد فينتقم بتنظيم مموّل بأدوات مالية غامضة وعميقة الجيوب، تساندها قوى البعث الموجودة في الدول العربية الاخرى بكل الوسائل.
واقع الأمر أن تمزيق العراق أصبح من مجاميع مختلفة، كل واحدة منها ذات أجندة خاصة، يساعدها وجود مرتزقة من الجنود المأجورين والمدفوعين للقيام بأقذر عمليات الاغتيال والتفجير والتدمير. الاحتلال الاجنبي للعراق ساعد في تدمير البلاد، ولكنه حتما أخرج الشياطين من جحورها لتمزق العراق بشكل يصعب تصديقه.
ومع التعاطف الكبير والجميل الحاصل مع المنتخب العراقي، والمؤازرة التي وجدها طوال مراحل هذه البطولة المثيرة، يبقى التنويه بأن العراق بحاجة ماسة لأن يرى تعاطفا مع البلد نفسه وحمايته من قوى الشر، يساهم فيه الكثيرون من جيرانه، من عرب وعجم، بالمال والعتاد والبشر، فهذا أهم بكثير من دعم منتخب لكرة القدم، لأنه بدون دعم العراق كبلد ومواطنين لن يكون هناك منتخب ولا جمهور!