رواه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا، قال ابن عمر قلت فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال، قال الدارقطني وأبو زرعة وأبو حاتم إن الموقوف أصح، ومع ذلك<صفحة 60> فحكمه الرفع، قال ابن الرفعة قول الفقهاء السمك والجراد لم يرد، وإنما الوارد الحوت والجراد، ورده الحافظ ابن حجر بأنه وقع في رواية ابن مردويه في التفسير بلفظ يحل من الميتة اثنان ومن الدم اثنان فأما الميتة فالسمك والجراد، وأما الدم فالكبد والطحال.
149 - أحقُ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله تعالى.
رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس في قصة اللديغ الذي رقاه ابن مسعود بفاتحة الكتاب على قطيع من الغنم فبرىء فأخذها، وكره منه أصحابه ذلك، وقالوا له أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة، فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا، فذكره وعلته في الإجارة جازما به، وفي الطب بصيغة التمريض عن ابن عباس كما تقدم، وإنما أورده كذلك مع إيراده الحديث في صحيحه متصلا لروايته له بالمعنى كما قاله العراقي،
ورواه أبو نعيم عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ من أخذ أجرا على القرآن فذاك حظه من القرآن، والديلمي وأبو نعيم أيضا عن ابن عباس بلفظ فقد تعجل حسناته في الدنيا، قيل فيحمل إن ثبت على من تعين عليه التعليم فتدبر.
150 - أحيا أبوَيِ النبي صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به.
أورده العسكري عن عائشة، وقال في التمييز تبعا للمقاصد أورده الخطيب في السابق واللاحق وكذا السهيلي عن عائشة وقال في إسناده مجاهيل، وقال ابن كثير إنه منكر جدا وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى، ولكن ثبت في الصحيح ما يعارضه انتهى، وأقول الترجمة المذكورة ليست بلفظ الحديث، وإنما لفظه ما سيأتي، وقوله ثبت في الصحيح ما يعارضه هو ما رواه مسلم عن أنس بلفظ إن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ؟قال في النار، فلما قفىَّ دعاه فقال إن أبي وأباك في النار،
وكذا ما رواه مسلم أيضا وأبو داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم استأذن بالاستغفار لأمه فلم يؤذن له، وقد وقع في كلام بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} ما لا يليق أخذا بظاهر ما في الصحيح المار، ويمكن الجواب بأن ما في الصحيح كان أولا، ثم أحياهما الله تعالى حتى آمنا به صلى الله عليه وسلم<صفحة 61>معجزة له وخصوصية لهما في نفع إيمانهما به بعد الموت، على أن الصحيح عند الشافعية من الأقوال أن أهل الفترة ناجون، وقد ألف كثير من العلماء في إسلامهما شكر الله سعيهم، منهم الحافظ السخاوي فإنه قال في المقاصد وقد كتبت فيه جزءا، والذي أراه الكف عن هذا إثباتا ونفيا، وقال في الدرر أخرجه بعضهم بإسناد ضعيف، وما أحسن قول حافظ الشام ابن ناصر الدين:
حبا الله النبي مزيد الفضل * على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أباه * لإيمان به فضلا لطيفا
فسلم فالقديم بذا قدير * وإن كان الحديث به ضعيفا
ومنهم الحافظ السيوطي فإنه ألف في ذلك مؤلفات عديدة منها مسالك الحنفا في إسلام والدي المصطفى وحاصل ما ذكره في ذلك ثلاثة مسالك:
المسلك الأول أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقد أطبقت الأشاعرة من أهل الكلام والأصول، والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا، وإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام، وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة كما نص عليه الشافعي وسائر الأصحاب، بل قال بعضهم إنه يجب في قتله القصاص، لكن الصحيح خلافه، لأنه ليس بمسلم حقيقي، وشرط القصاص المكافأة؛
المسلك الثاني إنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل، وذهب إلى هذا المسلك طائفة منهم الإمام الرازي، بل قالوا إن سائر آبائه صلى الله عليه وسلم لهم هذا الحكم، فليس فيهم كافر، وأما آذر فليس بوالد إبراهيم بل عمه على الصحيح؛ المسلك الثالث أن الله أحيا له أبويه صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به، وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم منهم ابن شاهين والحافظ أبو بكر البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وغيرهم، واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين والخطيب البغدادي والدارقطني وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة قالت حج<صفحة 62> بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم، فنزل فمكث عني طويلا، ثم عاد إلي وهو فرح متبسم، قلت له، فقال ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحيها فأحياها فآمنت بي وردها الله، وهذا الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ، بل قيل إنه موضوع، لكن الصواب ضعفه، وأورده السهيلي في روضه بسند فيه مجهولون عن عائشة بلفظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له ثم آمنا به ثم أماتهما.