السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
وجاءت سكرة الموت
الموت هو الحقيقة المرة التي لا يختلف فيها اثنان، وهو الحقيقة التي يخضع لها كل ضعيف وجبار. وليس الموت هو النهاية، ولو كان كذلك لكان راحة لكل حي، ولكنا إذا متنا بعثنا، وإذا بعثنا حوسبنا عن جميع أعمالنا. فعلى الكيس الفطن أن يعمل لما بعد الموت، فيعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً.
سَفرِيْ بعيد وزادي لـن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبـني ولي بقايا ذنوب لست أعلمهـا الله يعلمهـا في السـر والعلـنِ أنا الذي أغلق الأبواب مجتهـداً على المعاصي وعين اللـه تنظرني ما أحلم الله عني حيث أمهلـني وقد تماديت في ذنبي ويستـرني كأنني بين جل الأهل منطرحـاً على الفراش وأيديهـم تقلبـني وقد أتوا بطبيب كـي يعالجـني ولم أر الطِّب هذا اليـوم ينفعـني واشتد نزعي وصار الموت يجذبهـا من كل عـرق بلا رفق ولا هون وقام من كان حِـبَّ النـاس في عجل نحـو المغسل يأتيني يغسلني فجاءني رجل منهم فجـردني من الثيـاب وأعـراني وأفـردني وأودعوني على الألواح منطـرحاً وصار فوقي خرير الماء يُنْظِفُـنِي وأسكب الماء من فوقي وَغَسَّلَـنِي غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفنِ وَحَمَّلُوني على الأكتاف أربعة من الرجال وخلفـي من يشيعني وقدموني إلى المحراب وانصرفــوا خلف الإمام فصلـى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لهــا ولا سجود لعـل الله يرحمـني وأنزلوني إلى قبري علـى مَهَــلٍ وَقَدَّمُوْا واحداً منهـم يُلَحِّـدُنِي فَكَشَّفَ الثوب عن وجهي لينظرني فأسكب الدمع من عينيه أغرقنـي وقال هلوا عليه التُّرْب واغتنمـوا حسن الثواب من الرحمن ذي اِلمنَنِ وتقاسم الأهل مالي بعدما انصرفـوا وصار وزري على ظهري فأثقلني يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
تفسير قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق...)
سنعيش الليلة مع آيات من كتاب الله عز وجل، فأعيروني القلوب أيها الأخيار! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:20-22]. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أنك تموت والله حي لا يموت. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران. (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ذلك ما كنت منه تفر، ذلك ما كنت منه تهرب، ذلك ما كنت منه تجري، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ولكن أيها القوي الفتي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الوزير! ويا أيها الأمير! ويا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! اعلم أن: كـل باك سيبكى وكـل نـاع سينعى كل مذكور سيفنى كل مذكور سينسى ليس غـير الله يبقى من عـلا فالله أعلـى (وجاءت سكرة الموت بالحق) إنها الحقيقة الكبرى التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر، ورأس كل طاغوت: البقاء لله الحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة الكبرى التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة الكبرى التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً العصاة والطائعون، بل والأنبياء والمرسلون، إنها الحقيقة التي أمرنا حبيبنا ونبينا وقدوتنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم أن نذكرها ولا ننساها، كما في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن من حديث فاروق الأمة عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات)، وفي لفظ: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات، قيل: وما هاذم اللذات يا رسول الله؟! قال: الموت)، إنه الموت أيها الأحباب! ......
الدنيا زائلة