آدم وإبليس
لما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض. طاف بالبيت (الكعبة) – التي كانت قد بنتها الملائكة -سبعة أشواط، وصلى ثم قال: (اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فأقبل معذرتي، وتعلم حاجتي، فأعطني سؤلي، وتعلم ماعندي، فاغفر لي ذنوبي، وأسألك ايمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ماكتب لي، ورضني بقضائك. فأوحى الله إليه: يا آدم إنك دعوتني بدعاء استجبت لك فيه، وغفرت ذنوبك، وفرجت همومك وغمومك، ولن يدعوا به أحد من ذريتك من بعدك إلا فعلت ذلك به، ونزعت فقره من بين عبنيه، واتّجرت له من وراء كل تاجر، واتته الدنيا وهي كارهة وإن لم يُردها).
وبعد أن استقر المقام بآدم دعا ربه فقال: (اللهم انك أعطيت كل عامل أجره فأعطني أجري، فأوحى الله إليه قد غفرت لك إذا طفت بالبيت، فقال: يارب زدني، قال: قد غفرت لمن طاف من ولدك، قال زدني، قال: غفرتُ لمن استغفروا له. فقام إبليس على المِأزمين (إسم موضع)، فقال: (يارب ِ جعلتني في دار الفناء وجعلت مصيري إلى النار، وجعلت معي عدوي آدم، يارب وقد أعطيته، قال: قد جعلتُك تراه ولا يراك .. قال : يارب زدني، قال قد جعلت قلبه مسكنا لك، قال : يارب زدني، قال: قد جعلتك تجري منه مجرى الدم، فقام آدم وقال: يارب قد أعطيت إبليس فأعطني، قال: جعلتك تهمُ بالحسنة، ولاتعملها فأكتبها لك، قال: يارب زدني، قال: قد جعلتك تـهُم بالسيئة ولا تعملها فلا أكتبها عليك، وأكتب لك بها حسنة، قال: يارب زدني، قال: واحدة لي وأخرى بيني وبينك، وأخرى لك، وأخرى فضل مني عليك، فأما التي لي: تعبدني ولا تشرك بي شيئا، وأما التي بيني وبينك، فمنك الدعاء ومني الإجابة، وأما التي لك فإنك تعمل الحسنة فأكتبها لك بعشرة أمثالها، وأما التي هي فضل مني عليك فتستغفرني فأغفر لك، وأنا الغفور الرحيم).
هل تأملت فيما جرى من حوار، مذنبان يدعوان ورب يستجيب ..؟! هذا هو الله الذي وسعت رحمته كل شيء، فبرغم معصية إبليس وخطيئة آدم، إلا أن الله كان قريبا منهما سميعا لندائهما، مجيبيا لدعائهما. فلا تيأس أو تقنط من رحمة ربك مهما كثرت زلاتك وتعددت خطاياك، وأعلم بأنك لو أتيت له بقراب الأرض خطايا، لأتاك بقرابها مغفرة. وبأنك لو تقربت اليه ذراعا لتقرب إليك باعا، وبأنك لو أتيت إليه مشيا لأتاك هرولة. ولكن هل أمهلك الشيطان وقتا للتفكر في هذا الوعد الرباني؟ أم أنه أثقل عليك النفس وألهاك فيما يضرك ولاينفعك؟.
إن المرء إذا ماخفت موازينه وشعر بحاجته إلى الإنابة إلى الله وإلى طمأنينة الإيمان، غافله إبليس وأعترضه بتفاهة من عرض الدنيا الزائله، وصرفه عن الحق، وأرسل عليه شياطينه من الإنس والجن، ليوسوسوا في سمعه وفي صدره، وليردوه عن مراده. فإذا أحس المرء بهذا الوسواس وعلم أنه من فعل الشيطان فذكر الله وحاذر، نجى وظفر. وإن أطاع شيطانه فإن الله غني عن العالمين.
وأعلم بأن نية التوبة إذا ما خامرت قلوب ذوي الخطايا، جاء الشيطان الذي قال لربه: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) ليقول لهم: هيهات أن يغفر الله لكم وقد أسرفتم، فلا تجهدوا أنفسكم بالتقرب والإستغفار فقد بلغت ذنوبكم قمم جبال الأرض فلا تفرحوا بمغفرة، وأقنطوا من رحمة الله، ويغفلهم عن قول الله تعالى: (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا). فتخبوا جذوة الإيمان في قلوبهم، ويتربصهم اليأس في كل صوب، وتعتريهم الكآبة، والآفات النفسية، فلا يجدون ملاذا من هذا الحَزَن إلا الهروب إلى متاع الدنيا والإنشغال به، وما متاع الدنيا إلا غرور.
ومنهم من يغرقه الشيطان بالأماني، ويطيل أمله في الحياة، فيقول له: أن العمر سيطول، وأن التوبة ستأتي، وأن مباهج هذه الدنيا لن تتكرر فعشها، وأن الله رحيم غفور. ويقول لربه: (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين). فيركن الإنسان إلى التثاقل والتكاسل والتسويف في الإياب وفي العبادة، ويمني النفس بعودة إلى الصواب ذات يوم، ويقفز في دوامة الدنيا وملذاتها، حتى ينسى الله، فينسيه الله نفسه. ومن أنساه الله نفسه فهو عبد للشيطان الذي يعده بالأماني والأوهام (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)
وهكذا، ومنذ هبوط آدم وابليس إلى الأرض وهما في عداء، ولن يزول هذا العداء إلا أن يشاء الله. فترى الشيطان وقد يئس من الخير، ولم ييأس من الشر، وهو يقول: لو أني رأيت الرجل يحيي الموتى مايئست منه. فهو ملحاح دؤوب لا شغل له إلا الإغواء، وتزيين الدنيا لأبناء آدم وشغلهم عن ذكر ربهم وعن التفكير في الآخرة.
ــــــ(صالح الشادي )ــــــــ