[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخلاف سنة إلهية جارية إلى قيام الساعة كما قال سبحانه وتعالى:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)) سورة هـود.
قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: وقوله: { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذين هدى الله، والفريق الذين حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد، عدله وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء. أهـ.
وجميع الخلافات التي تدور بين بني البشر محورها شيء واحد وهو التغيير. فكل طرف يحاول أن يغير الطرف الآخر إلى ما يراه الأفضل.
والتغيير نوعان: نوع إيجابي ونوع سلبي.
دعاة التغيير السلبي كغيرهم يعمدون دائما إلى مثل يحتذونها ويقدمونها كنموذج عملي لدعوتهم.
هؤلاء النوع من الدعاة لهم قاسم مشترك بينهم على اختلاف مشاربهم، وهو أنهم يغضون الطرف عن المعايب التي توجد في الأمثلة التي يحتذونها مهما عظمت هذه المعايب وعظم خطرها، كما أنهم يغمطون الطرف المقابل حقه ولا يعترفون له بفضل مهما بلغ هذا الفضل.
خذ مثلا من يطالب بمبدأ الليبرالية في المجتمعات الإسلامية. هذا المطالب يغض الطرف دائما عن ما في الليبرالية من مساويء من انفلات لا حدود له ومن هدم للدين وعدم اعتراف به، ويتجاهل ما في الإسلام من محاسن لا تنتهي تنتظم ما في الليبرالية من محاسن وتزيد عليها والحمد لله (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) الأنعام115.
من الأمور التي ينبغي أن يعتبرها العقلاء في خلافاتهم وحواراتهم:
أولا- أن الله سبحانه وتعالى إذا علم من إنسان قصد الخير والإصلاح، وفقه ودله على طرق لم تخطر بباله والعكس بالعكس (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت69. (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد17.
ثانيا- أن التغيير إذا كان في الثوابت أو فيما تقضيه هذه الثوابت فهو تغيير مرفوض مهما ألبس من لباس كمن يطالب بتقريب دين الإسلام الحق من الدين الباطل وحذف ما يؤدي إلى الاختلاف بين الإسلام وغيره، فهذه مصادمة لإرادة الله الشرعية وشرع لدين جديد لم يأذن به الله.
ثالثا- أن التغيير إذا كان إلى شيء مجهول لا يمكن التنبؤ بحقيقته فهو تغيير مرفوض إذ التغيير ليس مطلوبا لذاته وإنما هو وسيلة إلى غيره.
رابعا- أن سوء الواقع في أي مجال من المجالات لا يعني الاندفاع للتغيير بطريقة غير مدروسة فالبقاء في السئ أفضل من الانتقال إلى الأسوأ. ولهذا أجمع علماء المسلمين على مر العصور على أن تغيير المنكر إلى منكر أعظم لا يجوز.
خامسا- أن الاستفادة من تجربة لمجتمع من المجتمعات أو فرد من الأفراد لا يعني جعل هذه التجربة مقياسا لكل شيء، فالذين يدعون إلى الاستفادة مما عند الكفار من الأمور التجريبية التي لا تخالف الشرع محقون في ذلك، لكنهم يخطئون عندما يجعلون هؤلاء الكفار مثلا تحتذى في جوانب أخفقوا فيها غاية الإخفاق كالجانب الأخلاقي والديني والمجتمعي ونحو ذلك.
اللهم ألهمنا رشدنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
أعجبني قلت نرصعه فيذا[/align]