في ملهاة الشاعر المسرحي كراتينس المسماة "الثراة" كان أول ظهور لمعالم المدن الفاضلة ، تلك المعالم التي إتضحت في نهايات القرن الخامس قبل الميلاد ، في أفكار (فالياس ) و (هيبوداماس ) واللذين تحدثا عن الإقتصاد ، والمساواة ، وأقسام الدولة ، وأقسام الأرض . أما في جمهورية إفلاطون ، فقد اتخذت المدينة الفاضلة (كاليبوس ) كيانا متكاملا ، هذه المدينة والتي قامت على فكرة ذات بعد خيالي ، تذكر باالمصدر الأسطوري للتفكير السياسي ، وتعكس شكل المدينة النموذجية من جهه ، وردا – إن لم تكن نقدا- لسياسة الدولة –المدينة التي كانت في أثينا زمن إفلاطون ، والذي إعتبر أن نشوء الجماعة كان وليد حاجة التعاون البشرية ، ونشوء المجتمع كان نتاجا لتبادل الخدمات والإنتاج ،وكان لابد للمجتمع من تأمين وجود ، واستمرار ، وتنظيم ، وحماية هذا التبادل.. فكانت الدولة . وللدولة أشكال في كتب إفلاطون السياسية (الجمهورية )و(القوانين) والسياسة ) تلك الروائع التي شكلت الدعامة الأولى في التمهيد لنشأة علم السياسة .
وبمجيء (أرسطوطاليس) إتجه الفكر السياسي نحو آفاق جديدة ،فهو لم يكن يستشرف المستقبل ، بل كان يستلهم الماضي ، ولم يكن قياسيا كإفلاطون بل إستقرائيا ،وكان علم الحياة والفيزياء لا الرياضيات سبيله .وفي مفهوم الدولة كان أرسطو لايؤمن بالحكم المطلق ، ويعتقد بإستحالة الدولة المثالية ، ويتفق مع إفلاطون في تبني الهدف الأخلاقي للدولة . علاوة على أنه كان أول من أوجد مفهوم الدولة الدستورية ، إضافة لكونه أول من صنف السياسة ، وجعلها علما من العلوم .
إضمحل مفهوم الدولة المدينة بعد قيام حلف ( كورنثيا ) و امبراطورية (الإسكندر ) مما أدى الى انفصال الفرد عن الدولة ، نتيجة لضعف الشعور القومي الذي كان يميّز دولة المدينة . مما جعل الفلسفة تبحث في الوسائل التي يمكنها إسعاد الإنسان بمعزل عن الدولة ، وعلى هذا الأساس قام التفكير الأبيقوري السياسي ، تلاه التفكير الرواقي الذي جاء يفكرة العصر الذهبي ، والذي يعني أن الأفراد قبل إندماجهم في مجتمع الدولة ، كانو يعيشون في مجتمع مثالي لا فوارق فيه ، وأن معيشة الأفراد في الدولة ، هي التي أوجدت تلك الفوارق .
الرومان ، إعتبروا أن الدولة هي تطور طبيعي لحياة الأفراد في المجتمع ،وأصبح هناك فصل بين الدولة والفرد ، لكل منهما حقوقه وواجباته، وكانت فكرة (السيادة )لديهم هي العلامة المميزة للمجتمع .ومن هنا جاءت فكرة القانون الطبيعي والتي عرضها (شيشرون ) 41ق م ، والتي تدل على وجود قانون طبيعي عام ، يستدل عليه بالحقبقة الواضحة ، وهي أن الكون ليس له سوى خالق واحد هو الإله ، وليس لهذا الإله سوى قانون واحد يسري على الجميع ، وكل تشريع يخالفه لا يستحق أن يسمى قانونا .
في كتابه (مدينة الله ) يتناول (أوغستينوس ) 430 م مجتمع الخير والسلام والذي ينتصر بالنهاية ، مقابل مجتمع الشر والطمع وحب التملك (مملكة الشيطان ) . ويرى القديس (أوغستينوس ) أن الروح تبقى طليقة ولو أن صاحبها عبدا ، وأن الحكومة شيئا لا بد منه ، وأن الحاكم يستمد سلطته من الله ، لذا فإن طاعته واجبة .
ويرى (توما الأكويني ) أن القانون الوضعي الصحيح هو المستمد من القانون الطبيعي ، وأن الحاكم الذي لا يطبقه يكون متمردا ، وعلى الشعب مفاوضته وتنحيته . بينما يرى (اليجري دانتي ) أن إرادة الله ممثلة في تكوّن الدولة وفتوحاتها بغاية تحقيق ( الحكومة العالمية) والتي تخضع للإمبراطور صاحب السلطة الزمنية ، والتي هي فوق سلطة (البابا) الدينية . كما يرى المفكر ( مارسيليو دي بادو ) 1343م أن القانون قانون بشري صادر عن هيئة دستورية ، وقانون مقدس منبثق من أوامر الله المباشرة ، ومن يمارس السلطة فإنه يمارسها بإسم الشعب ، والهيئة التنفيذية تنتخب من السلطة التشريعية .
ويصور الإنجليزي (توماس مور) 1535م في كتابه "أوتوبيا" مفهوم الدولة المثلى ، والتي تحقق للناس السعادة وتمحي الشرور ، والأوتوبيا ، تعني المكان المنشود لهناء البشر ، وتعني باليونانية (ليس في مكان ما ) ، وهي جزيرة خيالية من أفكار (مور ) تصور فيها شكلا عاما للحياة والحكم ، لا توجد فيها ملكية خاصة ، ولاتزاوج في الزراعة والصناعة ، ولايوجد فيها من القوانين إلا الضروري جدا .
كما يتحدث (فرنسيس بيكون ) عن "اطلانطيس الجديدة " والتي تتمتع بالحكم الملكي ، والقوانين المثالية ، والعائلة كأساس للمجتمع . إضافة الى الألماني (فالنتين أندريا ) والذي تحدث عن جزيرة إسمها (كافار سلامة) – لعلها كفر سلامة – وعاصمتها (كريستيانوبولس) والتي يجكمها ثمان من الرجال ، ولكن بدون ملكية خاصة .كذلك يتحدث الاسباني ( تومازو كامبانلا ) 1639م عن "مدينة الشمس " والتي يحكمها أمير يعينة ثلاثة آخرون من الأمراء في أمور القوة والمعرفة والحب ، بشكل إشتراكي ، ودون فروق طبقية على الإطلاق . وأخيرا يأتي كتاب (الكشف الجديد لأرض أستراليا ) ل جبريل دي فوايني والذي يتحدث عن رحلة خيالية لشخص يدعى ( جيمس سادور ) والذي يصادف في قارة أستراليا ، شعبا يعيش الحياة الطبيعية الخالصة ، بلا حكومة ولا قوانين ، وفي ظل الإنسجام الخالص مع الطبيعة ، ذلك أن الإنسان في نظر دي فوايني خيّر بطبيعته وليس شريرا بأصله حتى يحتاج إلى رادع .