السلام عليكم والرحمه من الله
إنها لمفارقة مؤلمة، أن تعيش في كنف أسرة عمرك كله لتكتشف في لحظة مكاشفة مع الزمن أن هذه
الأسرة ليس من رابط بين أفرادها إلا عوامل سطحية وهامشية، أولها أنهم ولدوا من رحم واحد،
وثانيها أنهم يعيشون داخل جدران أربعة ويحملون إسم عائلة واحدة! لكن دون أي رابط حميمي
يجمعهم!! ومع ذلك يهمهم جدا أن تكون صورتهم مشرقة أمام الناس! ويظهرون لهم تضامنهم مع
بعضهم في المحن! فيعزفون على وتر الأخوة والرابط الذي يجب أن يحكم علاقتهم عندما يصادفهم أمر
ما يستوجب أن يعيشوا إنسانيتهم من خلاله، أو عندما يقعون في إشكال لا يستطيعون تحمله لوحدهم..
وما يؤسف له أن كل شخص منهم يضع نفسه ضمن قالب من الأفكار والمفاهيم التي ترهقه، وتغلق في
وجهه أفق الحياة الرحب! وما يلفت النظر، في هذه الحالة، التناقض الذي يعيشه هؤلاء الأشخاص إذ
ينوؤن بثقل ما يحملون من مُثل لم تعد تتماشى مع تطورات الحياة ومفاهيمها. ومع ذلك يتمسكون بها،
ولا يقبلون حتى النقاش بها! فهم يعيشون أيامهم لحظة بلحظة دون تفكير بالغد! ودون وقفة مع الذات
يراجعون من خلالها حياتهم ليعرفوا أين أخطأوا، وأين أصابوا.. وبالتالي فإن الحياة تمر عليهم مرور الكرام دون أن يستفيدوا من تجاربها أية فائدة..
وهناك أخطاء كثيرة يتمثلونها. يأتي في أولها رفضهم للاعتذار حين الخطأ. لأنهم يعتبرونه حالة من
الضعف والاستهانة بكرامتهم! ربما ناسين، أو متناسين، أن الاعتذار هو صابون القلوب والأرواح..
به تتطهر النفوس مما لحق بها من ضغائن وأحقاد.. وتاليها أنهم لا يُخضِعون مشاكلهم وأمورهم
للنقاش، ويتمسكون برأيهم حتى لو كان غير صحيح! والأمّر من هذا وذاك أنهم عندما يطلبون منك
المشورة بأمر ما تراهم يفعلون عكس الرأي الذي تعطيهم إياه، ضاربين عرض الحائط بكل ما يخالف رغبتهم التي يستشيرون الآخرين بها ليتأكدوا من ردود الفعل على أي موقف أو تصرف سيقومون به..
هذه الأسرة، بما تحمله من متناقضات، نموذج لكثير من الأسر التي لا تعرف من الحياة إلا أبجديتها الأولى.. وما عدا ذلك فعلى الدنيا السلام! والطامة الكبرى إذا تميّز أحد أفراد هذه الأسرة بشيء من
التفكير الديناميكي المرن، فإنهم ينظرون بسخرية لكل تصرفاته وأقواله! فمن الغريب أن يكون هناك أشخاص لا يملكون المبادرة لتكوين ملامح لشخصياتهم تحمل خصوصية تميزهم عن الأشخاص
الآخرين، وبالتالي تجعلهم أكثر مرونة وتفكيرا بأنفسهم وبحياتهم! وأن يدركوا أننا خلقنا في هذه الحياة لنجد أنفسنا أسرى أقدار لا نستطيع الفكاك منها كأسمائنا وأسرنا والطائفة التي ننتمي لها، ولون عيوننا
وبشرتنا! فإذا كنا لا نستطيع أن نغير أقدارنا هذه، فلنكن أكثر إنصافا لأنفسنا.. ولنعش الحياة كما تستحق أن تعاش.. ولتكن هي مدرستنا التي نتعلم منها كيف يجب أن نعيش..، ولنكن أكثر مصداقية مع
أنفسنا بأعمالنا وتصرفاتنا.. ولنعرف كيف نحدد خياراتنا وقناعاتنا..
فإذا غادرنا هذه الحياة تكون إنجازاتنا مآثر يذكرنا بها الآخرون.. لا أن نحيا ونموت كأننا لم نوجد أبدا.. دون أي ذكرى ولا أثر..
فهل لنا أن نعتبر من تجاربنا وتجارب الآخرين لنكون أشخاصا أيضا نستحق أن تحسب لنا الحياة....!
تحياتي >>>: