بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله اللطيف المنان، العظيم السلطان، الرءوف الرحمن، القوي الديان، الكريم على توالي الزمان جل عن شريك وولد، وعز عن الاحتياج إلى أحد، وتقدس عن النظير، وانفرد علم ما يكو، وأوجد ما كان، أنشأ المخلوقات بحكمته، وضعها، وفرق الأشياء بقدرته وجمعها، ودحي الأرض على الماء وأوسعها، والسماء رفعها، ووضع الميزان، يسعد ويشقي، ويعز ويذلك، كل يوم هو في شأن، وأشهد أن لا إله إلا الله، الذي لا تحيط به العقول ولأذهان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفض خلقة وبريته المقدم على الأنبياء ببقاء معجزته، صلى الله عليه وسلم. وعلى آله وصحبه لكما تعقب الحدثان وسلم تسليما كثيراً..
فقد رأينا ما فعل الضعفاء والأذلاء وهؤلاء كانوا أصغر من أن يشار إليه حتى ببنان الازدراء لكنه حبيبنا وقدوتنا وسيدنا وخيرتنا، فالكل يوم القيامة يقول نفسي نفسي وهو صلى الله عليه وسلم يقول: "أمتي.. أمتي".. فلن نقل موقف المتفرج المحايد، ولا موقف المتألم الخامد.. وسندافع عنه كل قدر استطاعته. ونحن هنا سنرصد خلقه صلى الله عليه وسلم، في التواضع، والعفو، مع العدو والصديق، ومع القريب والبعيد، في الشدة والضيق.. ومهما قلنا وكتبنا فلن نجزيه حقه فداه الروح والوالد والولد.
النفوس البشرية ضعيفة تحوي في داخلها مشاعر وعواطف يذبها المعروف، وتحب الأنس والتواضع ، وتكره التعالي والتكلف وتأنف الجفاء والعبوس وتقطيب الجبين.
فكان عليه الصلاة والسلام أشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر؛ يمنع عن القيام له، كما يقومون للملوك. وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم.
وكان الرجل يأتي إلى مجلس رسول الله لا يحجبه عنه بوابون يقول جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: "ما حجبني النبي منذ أسلمت، ولا رآني إلا وتبسم في وجهي".
وكان صلى الله عليه وسلم ربما أتاه الرجل لا يعرفه، وقد أحذ الفزع يظن أنه يقدم على الملوك فيهون النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك. فعن أبن مسعود رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمة ، فجعل ترتعد فرائصه؛ فقال له صلى الله عليه وسلم (هون عليك، فإن لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد).
إن الناظر في هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته يرى صورا كثيرة من تبسطه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، مع كثرة أشغاله، وجديه حياته، إنه مع ذلك يجد فرصة للمزاح معهم ومخالطتهم، والدخول في أحاديثهم، واستشارتهم، وتسليتهم، ومواساتهم. وإليك شيئا من هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال في خطبة له: (إنا والله صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتعب جنائزنا، ويعزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير).
وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويخيط ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه).
كان لا يدع أحداً يمشي خلفه، ولا يترفع عن عبيده، وإمائه في مأكل ولا ملبس. ويخدم من خدمه. ولم يقل لخادمه أف قط.. ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه. وكان يحب المساكين ويجالسهم، ويسهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرا لفقره..
فعن أبي رفاعة تميم بن أسد رضي الله عنه، قال انتهيت إلى رسول الله ويهو يخطب، فقلت: (يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، ولا يدري ما دينه.. فأقبل علي رسول الله، وترك خطبته، حتى انتهى؛ إلى فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها.).
أحسن الناس عشرة وأدباً ، وأبسط الناس خلقا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
في ويم خرج مع أصحابه في عزوة فلما كانوا في طريق عودتهم نزلوا في واد كثير الشجر فتفرق الصحابة تحت الشجر، وناموا وأقبل صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها، وفرش رداءه ونام. وفي هذا الأثناء كان رجل من المشركين يتبعهم فلما رأى رسول الله خالياً أقبل يمشى بهدوء حتى التقط السيف من على الغصن، وصاح بأعلى صوته: (يا محمد من يمنعك مني ؟ فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل قائم على رأسه، والسيف في يده، يلمع منه الموت. حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيداً أصحابه متفرقون عنه. نائمون والرجل يعيش نشوة القوة والانتصار ويردد : (من يمنعك مني؟.. من يمنعك منى؟). فقال له صلى الله عليه وسلم بلك ثقة: (الله).. فانتفض الرجل، وسقط السيف من يده، فقال صلى الله عليه وسلم، والتقط السيف، وقال: (من يمنعك منى؟ فتعير وجه الرجل واضطرب ، واخذ يسترحم النبس صلى الله عليه وسلم، ويقول: (لا أحد، كن خير آخذ.. فقال له صلى الله عليه وسلم: (تسلم). قال الرجل: (لا، ولكن لا أكون في قوم هم حرب لك). فعفي عنه، وأحسن إليه.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد.. قال لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عزمت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال .. فما يجيبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب. فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا جبريل عليه السلام، فناداني، فقال: (إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت، فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: (يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا). متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه إعرابي فجذبه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته.. ثم قال: (يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك.. فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك، ثم أمر له بعطاء). متفق عليه.
فها هو تومس كارلل الحائز على جائزة نوبل بكتابه الأبطال يقول: (لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال بأن دين الإسلام كذب وإن محمداً خداع مزور.. وقد رأيناه طيلة حياته راسخ المبدأ، صادق العزم كريما براً رءوفاً، نقياً فاضلا رجلاً شديد الجد مخلصا وهو مع ذلك سهل الجانب، لين العريكة، جم البشر، والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب.. كان عادلا صادق النية، ذكي اللب، شهم الفؤاد، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم..ممتلئ نورا، رجلا عظيما بفطرته لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك. أما كوتيل الألماني، فيقوم إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد.. وسوف لا يتقدم عليه أحد.. ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد، فهذه قطرة من بحر إذ مهما كتبنا عنه فلن نوفيه حقه صلوات الله وسلامه عليه.
وأخيراً إن الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله ليكون حاتم الأديان..
فالإسلام يقدم منهجا متكاملا شاملا لجميع نواحي الحياة، دقيقها وعظيمها، إذ يعرض العقيدة الصافية بتصور سهل مقبول.. وفي الإسلام نجد النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الأمثل لصالح البشر، وسير حياتهم.. لذلك أدرك النصرانيون واليهود خطورة الإسلام عليهم، فإذا سمحوا بحرية العقيدة فسوف يدخلون كافة في الإسلام لأنه الدين الحق، ودين الفطرة، فقاموا بتشويه حقائق الإسلام وتصويره على أنه دين الإرهاب والعنف والقتل ونجحت هذه الدعاية بعض الشيء، لكن حينما يقع المرء على حقائق الإسلام بنفسه فسرعان ما تتضح له الحقيقة ويدخل في دين الله طائعا غير مكره.
من : محبات الرسول صلى الله عليه وسلم