قبل أن تعود الحياةُ رفيقةً لنا ..
و قبل أن يتسلقَ غيابَكِ فجرٌ ما ..
أخبريني ..
هل تغير شيءٌ بيننا ؟
أخبريني .. ما قيمةُ الحياة على هامش امرأة ؟ ثمّ ما قصة هذا المحتال الذي يدعونه الأمل ؟ كيف أطلبهُ حقي في الحياة ، و هو يعرفُ جيّداً كيف يطرقُ رأسي جيئةً و ذهاباً ؛ دون أن يغيّر طرق التفكيرِ و رواسب الذكريات العالقة ؟ و لمَ تعلقيني أنتِ بخيطِ أملٍ ينتحرُ بهِ الشوقُ كُل ليلة ؛ في الوقت الذي أفكر أنا فيهِ بإيجاد طريقةٍ مثلى لنسيانك ؟ طريقةٌ ترضينا معاً ، دون أن تسلبَ أحدنا حقهُ في الضحك و النسيان ، عوضاً عن تعليقِ أحزانهِ على شباك الصباحِ الوليد ، و النظرِ إليها كفرضٍ تجبُ ممارسته .. قبل أن يتناول وجبة الحُزن الأولى و يلتحق برحلةِ عملٍ كئيبة . كُل هذهِ الأسئلة ترهقني حدّ الأرق . تخلفني طريحاً على سريرٍ من ذكريات ، أتقلبُ فيهِ بين مسامير أسئلةٍ نثرتها فيه ، و أشواك ظنونٍ تركتِها على الورد المنقوش عليه . ماذا يفعلُ بي غيابكِ يا امرأة ؟ لمَ لا يبقِ لي على شيءٍ أقتاتُ عليهِ ، و لم يجعلني أدعو الله أن يرزق عبدهُ المسكين الذي ينام كُل ليلةٍ و يدهُ على قلبه ... بنسيانٍ عاجل ؟! قُلتُ لكِ مرة : ماذا لو أصبحت حياتكِ روايةً ما ؟ أخبرتِني : ستكونُ أنتَ عنوانها الرئيسي ! من بعدها و أنا أتلاشى تدريجياً في كتابِ الماضي . تقلبين عليّ صفحةً تلو صفحة ، حتى أصبح النسيانُ كاتبك المُفضل ، تقرأين لهُ كُل ليلة رجلاً ما ، و تمرين بي كهامشٍ صغير لا يهمك الوقوف عنده و لا التمعن جيّداً فيه ، ثم تطبقين دفتا زمنٍ أليمٍ عليّ .. و تنامين كأن لم يكن شيء ! آه .. كيف ينام من تُذبحُ الأشواق في قلبه ، كيف يفكر بالنوم من في قلبهِ بُكاءٌ يقظْ ، كيف يغمض عيناه لينام .. دون أن يفتح للحُلم نافذةً يراكِ خلفها ؟ امممـ ، لكنني أخافُ عليكِ كثيراً . و أودُّ لو يهديكِ الوقتُ صبراً أشدَّ من صبري ، و قلباً أقوى من قلبي ، و حياةً جديدةً تضاهي حياة المواليد . و أخافُ أن تبكي عليّ ، أو أن تفرَّ منكِ دمعةٌ في ضعفٍ ما . لأنني أحبكِ سعيدةً دون تجريح ، باسمةً كوجهِ الفجر ، ضاحكةً كعيد الفطر ، و لا أمانع في تحمّل الأعباء ، و التكفل بكُل الدراما البائسة التي خلّفتِها بعدك .. فقط كي لا يشقى بالحُب طرفان ! يُهمني أن أكون وفياً بعدك .. تماماً كما كُنتُ وفياً معك ، و يهمني أن تسير الأمور إلى سلامٍ تخلدين فيهِ إلى راحةٍ أبدية ، و يهمني أن يُمسَحَ جُزئي من الذاكرة .. لأنني -و كما يقولون- فيروسٌ خطير ، أعرف تماماً كيف أشق طريقي إلى الذاكرة ، و أعرف جيّداً العبث بها حتى لا أبقي فيها مساحةً لشخصٍ آخر .. لرجلٍ آخر . آه لو تعرفي كم تجلدتُ بعدك . لو تعرفي كم علّمني غيابك التشبثَ بأقل الأشياء أملاً ، كيف علمني أن الأيام لا تتشابه ، و أن الليالي ثقيلة ، و أن الطريق إلى النسيان طويل طويل ، كم علمني أن الكفيل بموت رجلٍ -مهما كانت قوته- ليس بأكثر من امرأةٍ و حفنةٍ من الذكريات ، و أن أوفر الرجال حظاً .. من ماتَ دونَ عشيقة . غيّرتِني كثيراً يا امرأة . و أصبحت أفكر كثيراً قبل أن أخوض خطوتي القادمة ، لأكبرُ يوماً بعد يوم ، و عاماً بعد عام ، و نكسةً بعد نكسة ، و في قلبي امرأة تعيش و تكبر ، لها من الصوت و الشكل و الذكرى .. ذات التي تحميلنها !
قبل أن تفكري بالنسيان ..
أو حتى بالعودة ،
لشطب آخر ذكرىً جمعتنا ..
اعلمي أن الوقتَ خُدعة ..
و أن الأحلام الجميلة التي بنيناها معاً ..
انهارت ..
...؛
أخبريني الآن ..
ماذا سيتغير بعدنا ..
سوى كُل شيء ؟!
نسّاي ..
15 سيبتمبر ..