الأسباب المشهودة والأسباب الغائبة
ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير، بل لا يؤثر سبب ألبتة إلا بانضمام سبب آخر إليه وانتفاء مانع تأثيره، هذا في الأسباب المشهودة بالعليان، وفى الأسباب الغائبة والأسباب المعنوية كتأثير الشمس في الحيوان والنبات فإنه موقوف على أسباب أخر من وجود محل قابل، وأسباب أخر تنضم إلى ذلك السبب .
وكذلك حصول الولد موقوف على عدة أسباب غير وطء الفحل .
وكذلك جميع الأسباب مع مسبباتها، فكل ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلى غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقل بالتأثير، ولا يستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثره على غيره إلا الله الواحد القهار، فلا ينبغي أن يرجى ولا يخاف غيره، هذا برهان قطعي على أن تعلق الرجاء والخوف بغيره باطل .
فإنه لو فرض من أن ذلك سبب مستقل وحده بالتأثير لكانت سببيته من غيره لا منه فليس له من نفسه قوة يفعل بها، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله فهو الذي بيده الحول كله والقوة كلها فالحول والقوة التي يرجى لأجلها المخلوق ويخاف إنما هما لله وبيده في الحقيقة، فكيف يخاف ويرجى من لا حول له ولا قوة، بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه، فإنه على قدر خوفك من غير الله يسلط عليك، وعلى قدر رجائك لغيره يكون الحرمان، وهذا حال الخلق أجمعه، وإن ذهب على أكثرهم علماً وحالاً .
فما شاء الله كان ولا بد، وما لم يشأ لم يكن ولو اتفقت عليه الخليقة .
<SPAN class=content style="DISPLAY: none">
الفوئد لابن القيم
</div>