نعيم القبر وعذابه
قال الله تعالى: ( وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور )
يقول الله تعالى: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحا فيما تركت ، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون. )
من هذه الآية نعلم أن الموتى يمكثون في قبورهم فترة من الزمن لا يعلمون مداها إلى أن يبعثهم الله تعالى من تلك القبور.
وأثناء تلك الفترة التي يقضونها في قبورهم يكونون إمّا سعداء منعمين أو أشقياء معذبين بحسب أعمالهم في الحياة الدنيا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. )
وروي عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) قولهما: ( إن للقبر كلاما في كل يوم، يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، أنا روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. )
فتعال عزيزي الطالب نتعرف أحوال الموتى في قبورهم.
يواجه الميت في قبره حالات لم يشاهدها في الحياة الدنيا، وتلك الحالات هي: سؤال منكر ونكير ، وضغطة القبر ووحشته، وبقاؤه منعما أو معذبا بعد موته إلى أن يبعثه الله تعالى ويحشره للحساب يوم القيامة.
فما المراد بسؤال منكر ونكير ؟ وما المراد بضغطة القبر ووحشته ؟ وكيف يبقى الميت منعما أو معذبا في قبره ؟
أولا: سؤال منكر ونكير.
بعدما يموت الإنسان ويوضع في قبره ينزل عليه في القبر ملكان ويسألانه بعض الأسئلة، فإن كان ذلك الميت مؤمنا بالله تعالى فإن الملكين الذين ينزلان عليه في قبره هما مبشر وبشير. أما إذا كان ذلك الميت كافرا بالله تعالى فإن الملكين الذين ينزلان عليه هما منكر ونكير. وهذا الإختلاف في شكل الملائكة وأسمائها ناتج عن عمل الإنسان في دار الدنيا.
روي عن أهل البيت عليهم السلام: (( إن الميت إذا كان بالغا مكلفا، فإنه يدخل عليه ملكان يتمثلان بصورة أعماله، فإن كانت أعماله جميلة طيبة حسنة أتياه بصورة جميلة حسنة ورائحة طيبة، ويقال لهما حينئذ مبشر وبشير. وإن كانت أعماله سيئة أتياه بصورة سيئة وخلقة منكره مخيفة، ويقال لهما منكر ونكير. ))
و الإيمان بالمساءلة في القبر يعد أمرا وجبا في الإسلام.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (( من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، والمسالة في القبر، والشفاعة. ))
ولا شك أن هناك حكمة مهمة لمسائلة الميت في قبره، ألا وهي تمييز أهل الإيمان عن أهل الكفر، ثم محاسبتهم حسب أعمالهم التي فعلوها في الدنيا؛ فأهل الإيمان لهم الجنة، وأهل الكفر لهم النار.
أمّا الأسئلة التي يطرحها الملكان على الميت في قبره فهي تتعلق بالمعتقدات الدينية الأساسية التي يجب على كل إنسان معرفتها والإيمان بها.
روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: (( إذا أدخل الكافر القبر وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة، فيقيمانه ثم يقولان له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا دريت ولا هديت ولا أفلحت. ثم يفتحان له بابا إلى النار وينزلانه إلى الحميم من جهنم، وذلك قوله تعالى: ( وأما إن كان من المكذبين الضآلين، فنزل من حميم) يعني في القبر. ( وتصلية جحيم ) يعني في الآخرة. ))
ثانيا: ضغطة القبر.
هي حالة صعبة جدا تحدث للميت في قبره، حيث ينضغط القبر على الميت، فيتألم ألما شديدا. وهي تحصل لكل ميت سواء كان مؤمنا بالله سبحانه، أم كان كافرا. وقد ذكر بعض العلماء أن ضغطة القبر للمؤمن تطهير له من الأدناس والذنوب كي يأتي يوم القيامة ولا ذنب عليه.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم. )
ومن أسباب ضغطة القبر: سوء الخلق مع الناس، والنميمة، والغيبة، وعدم الاهتمام بالطهارة وغير ذلك.
أمّا الأعمال الصالحة التي تنجي من ضغطة القبر وعذابه فهي كثيرة منها: قراءة سورة النساء كل جمعة، والمداومة على قراءة التكاثر عند النوم، وقراءة سورة الملك على قبر الميت، وقراءة الدعاء المأثور عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند الدفن.
وفي ما يلي بعض الأحاديث الدالة على الأعمال التي تنجي من ضغطة القبر وعذابه.
• روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ما من أحد يقول عند قبر ميت إذا دفن ثلاث مرات: اللهم إني أسألك بحق محمد صلى الله عليه وآله أن لا تعذب هذا الميت إلا رفع الله عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور. ))
• روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من قرأ ألهاكم التكاثر عند النوم وقي فتنة القبر. ))
• روي عن الإمام علي عليه السلام: (( من قرأ سورة النساء في كل يوم جمعة أمن من ضغطة القبر. ))
• روي عن الإمام الباقر عليه السلام: (( من أدمن قراءة حم الزخرف، آمنه الله تعالى في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر. ))
ثالثا: وحشة القبر.
إن أول ليلة تمر على الميت في قبره تكون أوحش ليلة عليه، وهذه الليلة تسمى ليلة الوحشة أو ليلة الدفن.
وقد ورد ذكر هذه الليلة في بعض أحاديث النبي وأهل بيته عليهم السلام، ومنها ما جاء في أحد كتب الإمام علي عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما، حيث قال في ذلك الكتاب: (( يا عباد الله، ما بعد الموت لمن لا يغفر الله له أشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وغربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام. ))
ولرب سائل يسأل: هل توجد أعمال صالحة تنجي من وحشة القبر ؟
فنقول له نعم. هناك روايات تذكر بعض الأعمال الصالحة التي تنجي الميت من وحشة
القبر. ومنها ما يلي:
1- صلاة الهدية.
تسمى هذه الصلاة بأكثر من اسم، فمن أسمائها: صلاة ليلة الوحشة، وصلاة ليلة الدفن، وصلاة الهدية. وهي مروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2- الصدقة.
يستحب التصدق عن الميت في أول ليلة تمر عليه وهو في قبره لينجو من وحشة القبر.
وهذان العملان الصالحان مرويان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (( لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة فإن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ في الأولى ( بفاتحة الكتاب ) مرة وسورة التوحيد ( قل هو الله أحد ) مرتين. وفي الثانية ( فاتحة الكتاب ) مرة وسورة التكاثر عشر مرات وسلم ويقول: ( اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر ذلك الميت فلان بن فلان. )) فيبعث الله من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة، ويوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور، ويعطى المصلي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات وترفع له أربعون درجة. ))
رابعا: نعيم الميت أو عذابه في القبر.
قال تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله . ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين. )
تحدثنا هذه الآية الشريفة عن حال الذين يقتلون في سبيل الله تعالى، أنهم يبقون أحياء يرزقون حتى بعد موتهم، ويشعرون بالفرح والاستبشار بنعمة الله عليهم.
وقال تعالى: ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق. ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد. )
الخلاصة
1. ينتقل الناس بالموت من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ ثم يحشرهم الله تعالى للحساب ليوم القيامة.
2. يكون الناس في حياة البرزخ إمّا سعداء منعمين أو أشقياء معذبين.
3. تحدث للميت في القبر حالات لم يشاهدها في الدنيا، هي سؤال منكر ونكير، وضغطة القبر ووحشته، والنعيم أو العذاب في القبر.
4. يسأل الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه.
5. يمكن للإنسان أن يعمل أعمالا صالحة تنجي الميت من ضغطة القبر ووحشته.