بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته !
قرأت في إحدى المنتديات موضوعاً في جملة الآداب التي جعلتها الحنيفية السمحة في سبيل تحقيق السلوك الواقعي - المثالي - في التعامل مع قدر الخطيئة .. فالخطيئة قدر حتم علينـا جميعاً ما عصم منها إلا الأنبياء والمرسلون .. وأحببت مشاركتكم فيها .. =)
هذه الآداب وقاية من الوقوع في الذنب - وهي لا تعني بالضرورة الحماية منها - لأن الوقوع في الخطيئة والذنب أمر حتم كما أسلفت .. لكن هي وقائية من جهة :
- عدم حصول الإصرار على المعصية .
- عدم حصول اليأس والقنوط من شدّة وطأة المعصية .
- من عدم حصول الهلاك والإهلاك بسبب المعصية .
الأدب الأول : استعظم ولا تحتقر !!
>> لاتنظر إلى صِغر المعصية ، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت !! <<
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إيّاكم ومحقرات الذنوب ، كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود ، حتى أنضجوا خبزتهم ، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه "
و يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه .... " !
الأدب الثاني : فلا تقعد معهم !!
إن المعصية ليست وليدة الفجأة والمصادفة . . !
إنما لها مقدمات وأسباب إذا حصلت حصل نتاجها . .
وإن ألـِف العبد وتساهل في ارتياد مواطن المعاصي والذنوب تورّث عنده فتورعن الورع والحزم والعزم . . كما يتورث في نفسه إقبال على المعصية والخطيئة وبُعد عن التوبة والأوبة ..
أخي فارق دواعي المعصية ..
صديقاً كان أو مجلة أو شريطاً أو رقماً في هاتف أو فلماً أو مسلسلاً أو نادياً او مجلساً أو آلة .. !!
واجعل بينك وبين أرباب الذنوب والمعاصي عزلة شعورية ^_^ ..
إن لم يمكنك العزلة الجسدية على حدّ قوله جل وتعالى : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " .
الأدب الثالث : دافع وأصلح خواطرك .
والخواطر أمرها عظيم من حيث أنها لا ينفك عنها أي بشر من البشر ، وتكمن الخطورة فيها من جهتين :
- الجهة الأولى : كون أن الله جل وتعالى مطلع عليها فهو جل وتعالى " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " و " يعلم السر وأخفى " !
- الجهة الثانية : من كون الخاطرة هي شرارة العمل الأولى .
فالقلب لوح والخواطر نقوش تنقش فيه .
يقول ابن القيم رحمه الله : وأما الخطرات فشأنها أصعب فإنها مبدأ الخير والشر ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب . ومن استهان بالخطرات قادته قهراً إلى الهلكات ....
دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة فدافعها فإن لم تفعل صارت همّاً فدافع ذلك فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً فدافع ذلك فإن لم تفعل صار عادة وسجية !! من هنا علمنا خطورة الخواطر واثر مدافعتها وأثر استدعائها ..
الأدب الرابع : جالس الأخيار .
>> المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ! <<
و مجالسة الأخيار حماية من الخلوة والوقوع في أسر الخواطر أو غشيان مواطن المعاصي .. وهم لا يبخلون عليك بنصحهم وإرشادهم .. فإن الأخوة الصادقة تحتّم على المتآخين أن ينصح بعضهم بعضاً وأن لا يزين بعضهم لبعض تقصير الآخر .
كما أن الندم والحسرة والتألم على المعصية إنما تجنيه من الصحبة الصالحة ، وهو من ثمرات صحبتهم ، وإنك حين تفارقهم فسرعان ما يخبت هذا الصوت ويقل أثر اللوم للنفس !!
ومن هنا نعلم أن ترك صحبة الأخيار بحجة الذنوب والمعاصي والخطيئات من أعظم مداخل الشيطان وخواطر المعصية .
افرض أنك فارقت الأخيار فهل سيزول ما تشتكي من داء المعصية ؟؟!أم أنك ستفقد الدواء ويستفحل الداء !!
إن الإنسان لا بد له من صحبة الأخيار ، فإن هو ترك الأخيار فلمن يذهب ! ليس إلاّ إلى من يزيّنون له المعصية ويقحمونه فيها ! !!
الأدب الخامس : فانصب !
>> هي النفس إن لم تشغلها بالطاعـة شغلتك بالمعصية <<
وذلك سرّ من أسرار التوجيه الرباني : (( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ "7" وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ "8" ))
الأدب السادس : داوم على الاستغفار .
والاستغفار أدب من الآداب الواقية من جانبين :
الأول : أنه يحيي في النفس توقير الله وتعظيمه .
الثاني : أنه يمحو الخطايا والذنوب .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياي ، وعمدي ، وجهلي ، وجِدّي ، وهزلي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت ، وما أخرت ، وما أسررت ، وما أعلنتت ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير "
وكان من دعاء الأنبياء والمرسلين :
- دعاء نوح عليه السلام : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً "
- دعاء إبراهيم عليه السلام : " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ "
- دعاء موسى عليه السلام : " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي "
عند هذا ... يقف المسلم الحق يتسآءل : وأي خطيئة ارتكبها أنبياء الله حتى يستغفرون ؟
ماذا جنت هذه النفس الطاهرة ؟ وأي خطيئة أسرّها وأعلنها وقدّمها وأخّرها ؟؟؟
لئن كان صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرّة ، فكيف بنا نحن معشر المذنبين المخلّطين ؟؟!!
إنها النفوس الطاهرة العارفة بالله حقاً .
ولئن كان الاستغفار يطهر النفس ويزكيها فلا يجعلها تألف اقتراف المحرمات ، فكذلك هو يمحو الخطايا إن وقعت وحصلت ..
ثم إن الإستغفار أمر يعجب الرب جل وعلا .. عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :-
"إن ربك يعجب من عبده إذا قال : رب اغفرلي ذنوبي ، وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري "
والاستغفـار المقصود هو الذي يوافق فيه القلب اللسان
الأدب السابع : لا تجاهر !
كما أن الطاعات تتفاوت مراتبها ودرجاتها بحسب الأعمال ذاتها ، وبحسب العامل والوقت والسر والجهر ..
كذلك المعاصي !!
المعصية التي يستتر بها صاحبها أخف جرماً من التي يعلنها . وذلك لـ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" كل أمتي معافى إلاّ المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه " .
الأدب الثامن : أتبع السيئة الحسنة تمحها !
>> و أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين <<
وإن من إتباع السيئة الحسنة أن تتبع المعصية بالتوبة منها بلا تسويف أو تأجيل أو قنوط .
قال الله تعالى : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلاّ الله ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون"
وقال عزّ وتعالى : " .. فإنه كان للأوّابين غفوراً "
وكل ما كانت الحسنة من جنس عمل السيئة كان ذلك أبلغ في المحو
فتأمل عظيم منّة الله وفضله وسعة رحمته كيف أنه جعل لك من ضيق الذنب فرجاً واسعاً .. فلربما
ابتلانا بالذنب فكان باب القرب =) ..
الأدب التاسع : لا تعيّر غيرك بالذنب !!
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أن رجلاً قال : والله لايغفر الله لفلان .وإن الله تعالى قال : " ومن ذا الذي يتألّى عليّ ألاّ أغفر لفلان ، فإني غفرت له وأحبطت عملك .."
ومرّ أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبّونه فقال : أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه ؟
قالوا : بلى . قال : فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم ؛ قالوا : أفلا تبغضه ؟
قال : إنما أبغض عمله ، فإذا تركه فهو أخي =)
إن الأولى بالمرء المسلم أن لا يعيّر أخاه بالذنب ، أو يهزأ به بالمعصية ، إن الواجب عليه تجاه أخطاء الآخرين أن يقف عند حدّ المناصحة والستر والدعاء لهم وسؤال الله العافية .
ولا يكاد يخلو انسـان من المعاصي فمن أنت ؟! حتى تتعالى على الناس باقترافهم للمعاصي !
الأدب العاشر : تب إلى الله ولا تيأس أو تقنط !!
قال الله تعالى :
- " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
- " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
فـ يا رعاك الله أجب نداء الرحمن وهو يناديك :-
>> يا ابن آدم . . إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ..
يا ابن آدم . . لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك . .
يا ابن آدم . . لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة !!! <<
>> يا عبادي . . إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فمن علم أني ذو قدرة على المغفرة غفرت له ولا أبالي !! <<
" إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار .. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل " !!
ورد في الأثر قوله تعالى لصفيه آدم :
يا آدم لو لم تكن التوبة أحب شيء إلينـا .. لما ابتلينا بالذنب أحب الخلق إلينا ..
يا آدم . . ذنب تذل به إلينا أحب إلينا من طاعة تدلّ بها علينا !!
يا آدم . . أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المدلّين !!
والتوبة النصوح التي تنفع هي التي استكملت شرائطها .. ابتداء من :-
- الإقلاع عن الذنب .
- الندم على ما فات !
- العزم الجازم على ترك معاودته .!!
وانتهاء بمعاودة التوبة كلّما وقع الذنب .
تلك عشرة كاملة ، على الخطيئات صائله . .
فاستقلّ منها إن شئت أو استكثر . .
فاز التائب بأوبته وعودته . .
وهلك الهالك بكبره ونزوته . .
اللهم أقل العثرة ..
واغفر الزلة ..
وألهمنا الرشد والهدى . .
وادفع عنّأ السوء والردى . .
اللهم آمين . .
=)