مجرد سؤال .. روايه حزينه

كان زمان · 12-13-2008, 03:59 PM

بعد تلك المواجهه..مرّت الأيام والأسابيع وهو يحاول تجنبها..فكان يخرج كل صباح باكراً..ويظل خارج المنزل حتى وقت متأخر ويعود بعد ان ينام الجميع...وفي صباح احد الأيام..استيقظ فزعاً على صرخات وبكاء وطرقات عنيفة على باب حجرته ..ففتح الباب وإذا بأخته تبكي وتقول.." ابي مريض جداً ... ويطلب رؤيتك.."
صعد مسرعاً يقفز الدرجات ولما دخل الغرفة خرج الجميع منها...ورآه ابنه فأمتلأت عيناه بالدموع وقد عرف انها لحظاته الاخيره..وان الرجل العجوز يحتضر...اقترب منه ببطء وامسك بيد ابيه فقبض الاب على يد ابنه بضعف برغم ما بذله من جهد..وقال بخفوت يشوبه الضعف والارهاق..."اخواتك امانه في عنقك..لا تبخل عليهم بشيء..اشعرهم بحبك حتى لو بالكذب...راعيهم..اتقي الله فيهم...احسن تربيت اخوتك الصغار..ولا تذل زوجتي من بعدي..اني اعتمد عليك بعد الله في ذلك..وتمتم بالشهادتين.." فقطب شاكر حاجبيه واقترب ن ابيه ليفهم ما يتمتم به..لكن قبضت ابيه ارتخت ..للأبد..وذهب الرجل الذي حطم سعادة ابنه دون ان يعلم بشيء ..والذي احبه واعتبره صديقاً..وللمرة الثانية لم يستطع البكاء عليه ..لكنه اخذ على عاتقه رعاية اخوانه تنفيذاً لوصية الفقيد.. اغمض عيني ابيه وردّ عليه اللحاف..وقام ليخبرهم بالفاجعة..
خرج واغلق باب حجرة ابيه وهو مطرق حزين مع بعض القساوة على ملامحه يجر رجليه جراً .. فهم الجميع ما يعنيه هذا الهدوء ..التقت نظراتهم فأبعدها عنهم الى الارض وهنا صرخت امل.." لا يا شاكر..لاااااا.." التفت لها بسرعة وقد بان الالم في وجهه وارتمت في حضنه لا شعورياً ارتبك لكن مشاعر الاخوة والدم طغى على كل شي وضمها اليه ثم ضم بقية اخواته استيقظت الام من ذهولها وصرخت مقتحمة الغرفة.. وظل هو على وقفته عندما تبعنها الابناء والبنات يلقون عليه النظرة الاخيرة ..ظل يفكر فيما حدث واكتشف انها المرة الاولى التي يحتضن فيها اخوته..
انتهت الجنازه ..وانتهى الحزن وبقيت منه الذكرى ....

كان زمان · 12-13-2008, 04:03 PM

بعد وفاة ابوهم راح ينزه اخوته وزوجة ابيه وجرته قدميه الى نفس المكان القديم..وجلسوا على نفس الطاولة.. فقام اخوانه اتفحص المكان واللعب ..واصبحا لوحديهما..فقالت تذكره بالمكان.." هل تذكر هذا المكان؟!..يالك من خبيث..انه المكان الذي التقينا فيه اول مرة والذي كنا نلتقي فيه دائماً.."
فقال بخفوت وهو مطرق ..:" والذي افترقنا فيه ايضاً.." رفع رأسه ونظر اليها باشمئزاز ثم قام لإخوته وتركها تتنهد بحسرة وتنظر الى ما يمكن ان ينسيها حبها الاول...
***********************************

كان زمان · 12-13-2008, 04:06 PM

استلقت سوسن على سريرها تفكر فيما آلت اليه حالتها... وعادت بذاكرتها لتستعرض شريط حياتها...كيف كانت فقيرة وكانت مرتاحة ...وقلبها متفتح للحياة..تعيش لحظات حب جميلة..وكيف اقترنت برجل مقتدر كان في نظرها غنياً جداً نظراً لفقرها..وكيف اصبحت حياتها معه شقاء وبؤس ..وهي ترى من تحبه امام عينها ولا تستطيع الوصول اليه ...وزوجها الذي كان عاقبة طمعها ..زوجها المريض الذي عاشت ممرضة له ..وممثلة حتى تعبت اعصابها من الخداع والكذب...ثم ابناءها الذين ضاع مستقبلهم بضياع مصدر رزقهم الوحيد ..وقد لامت نفسها كثيراً فطالما قال لها زوجها انه سيعطي الشركة لإبنه ليكبرها.. وكانت هي تمنعه بحجة ان الشيطان شاطر والحق لا يزعل منه ومنعاً للمشاكل بين الاخوان في المستقبل..وان هذه تأمين لمستقبل بناته ... وفي خضم كل هذا نسيت انه ثري ... وليس بحاجة الى هذه الشركة ..ونسيت ان له نصيب في هذه الشركة ...فالطمع اعماها لذا اعتقدت انه مقابل ثروته لا يحق له المطالبة بمبلغ تافه كهذا واخوته احق به منه...وهاهي في اخر المطاف تعود الى نقطة البداية...تنتهي من حيث بدأت فقيرة لا تملا من حطام الدنيا غير هؤلاء الابناء اللذين زادوا من مسؤلياتها وهذا ما يميز حاضرها عن ماضيها ...
*********************************
اجتمع الاخوة في الصالة مطرقين وقد استبد بهم الخوف من المستقبل ...
خرج شاكر من حجرته ورأهم هكذا فتذكر نفسه عندما كان في نفس وضعهم...وتذكرها ايضاً عندما كانت في نفس وضعه ..وبدأت نفسه تنازعه في تركهم هكذا ليردّ لها الالم ... لكنه ترك كل شيء خلفه من تفكير في هذا الموضوع واخوانه وكل شيء ...وسافر ليتم عمله في افريقيا... واستمر سفره ثلاثة اشهر..انتهت فيها كل الاموال التي كانت تجمعها سوسن من زوجها الراحل وابتدأت تظهر الحاجه عليهم..
*****************************
عاد شاكر بعد ثلاثة اشهر واتجه مباشرة الى مكتبه ولحقت به زوجة ابيه...واغلقت الباب خلفها بعنف جعلته يلتفت رأها وعاد يدير لها ظهره متجها للمكتب.. وقالت له بعصبيه ..:" ماهذا ؟ ماهذه الانانية؟! ايموت اخوانك جوعاً وانت تتمتع بكل هذه الثروة غير عابئ بهم.." التفت لها بحدة وقال..:" وماذا افعل.. انني احاول استرداد الشركة منهم...رفعت قضية تظهر عدم علمنا بالامر مع امكانية سداده...لكن الموضوع خرج من يدنا ...اصبحت الكره في ملعبهم...ماذا افعل اجبرهم؟!" هزّ رأسه نفياً وهو يدير لها ظهره بينما قالت بجنون.." طبعاً ...مادمت لن تتعذب مثلنا فما يهمك من امرها...حتى لو احترقت.." رفع رأسه واخذ نفساً وهو يقول مهدئاً نفسه.." تقولين ذلك من خوفك على ابنائك ..."
تحولت لهجتها الى رجاء... وهي تقول " افعل شيئاً ارجوك..انهم يحتاجون مالاً ..لا اجد ما اعطيهم مصروفاً للمدرسة...ارجوك خذ.. خذ سمير وعلمه العمل عندك..اجعله يعمل ويدرس ..مثله مثل أي شاب غريب ساعدته على الاقل ...هذا اخوك.." ثم صرخت..:
" لماذا انت صامت؟! تكلم رد عليّ؟!" قال بهدوء..:" ماذا اقول ؟ ليس هناك ما يقال..لدي اكتفاء في الموظفين في شركاتي...والمعهد لن يفتح الا في السنه القادمة ...ما رأيك ...يؤجل للعام القادم.. ام ابعثه لشركتي الجديدة في افريقيا...؟!" واتجه للمكتب وهي تصرخ فيخوف..:" افريقيا...؟! لااااا... لا يمكن مستحيل ان يبتعد عني ابني ...لا اتخيل فراقه ساعة...ثم انه مازال صغيراً على السفر.." هزّ كتفيه بلا مبالاة وهو يجلس على كرسيه الدوار خلف مكتبه وقال..:" هذا ما لدي...واقصى ما يمكنني عمله.."
هدأت فجأة وتقدمت منه ببطء حتى وصلت حافة المكتب واسندت يديها عليه وهي مقطبه حاجبيها وقالت بوحشية خافته..." انت سعيد بوضعي هذا اليس كذلك؟!...هيّا تشمّت كما تريد...قلها..!! قل ما هو واضح في عينيك...قلها اكاد اسمعها...ماذا؟! نعم انه عقاب الله فيك..هذه هي..."
كان مطرقاً برأسه للمكتب محاولاً عدم النظر اليها ...وقال وهو على حاله تلك..:" لم افكر في ذلك اطلاقاً.."
صرخت اخيراً.." كاذب.." رفع رأيه بفزع مع ضربها على المتب بيدها ..واكملت بنفس الصوت العالي الغاضب الذي دخل على اثره اخوانه.." انت كاذب..تريد ان تذلني..تريد الانتقام مني في اولادي.." قام مسرعاً من مكتبه واتجه لها بغضب ووضع يده على فمها يسكتها وصرخ بها..:" اسكتي يكفي ذلك.. انت لا تعي ما تقولين.." وعندما انتبهت لأبنائها سكتت وهي تنظر لهم بخوف وحرج لئلا يكونوا قد فهموا شيئاً .. لكن شاكر تقدم لهم وقال مطمئناً.." اعذروها ..ولا تخافوا ..اعصابها مرهقة قليلا بسبب الاحداث الاخيرة...وستقوم متعافيه ان هي ذهبت الآن لتنام.." والتفت لها قائلاً..:" هيا ..اصعدي ونامي..وسنتحدث فيما بعد.."
استسلمت لكلامه وصعدت لتنام...وعاد الابناء الى الصالة يجلسون جلستهم المعتادة منذ وقوع الكارثة وصعد شاكر الى حرته وهناك وقف امام المرآة في طاولة الزينة... ونظر الى نفسه واطال النظر ثم سأل نفسه التي تعكسها المرآة وكأنها شخص آخر..فقال..:" هل صحيح اني اخطط للإنتقام منها..؟ وفي من ؟ في اخواني!!!" ونشب صراع بين نفسه الطيبة ونفسه الامارة بالسوء التي قالت.:" انهم ابناؤها.. وهي المسؤلة عنهم ..انا لا دخل لي بهم..." وتعود نفسه الطيبة التي تلومه قائلة" كيف اتخلى عنهم وانا املك اموالاً كثيرة...انا اساعد الناس واترك اخواني!!!" ...وتقول الخبيثة.." ولماذا اصرف عليهم اموالي التي تعبت في جمعها..؟ جمعتها بألم القلب وحزن السنين.." وهنا صرخت نفسه الصالحة..:" ابي..لماذا نسيت ابي؟! كيف اتجاهل وصيته الغاليه...لقد استأمنني على اخواني ..وجعلهم امانة في عنقي..وزوجته كأنه يعلم انها ستذل.." واخيراً حسم الصراع..وحزم امره..ووقف امام نفسه في المرآه...ليعلنها بكل صراحة.." ان كانت قد تعاملت معي بنذالة في موقف قديم كرهته منها...فلن اكون انا بنذالتها.."

كان زمان · 12-13-2008, 04:09 PM

توجه شاكر في المساء الى غرفة سوسن وجلس على كرسي بجانب السرير وهي مستلقيه تفكر قال لها..:" كيف حالك الآن يا.......؟!" تردد قليلاً ثم قال واضعاً حداً لأحلامها.." يا زوجة ابي.." نظرت اليه بحدة وقالت " بخير..وآسفه على ما حدث اليوم.." قال بهدوء " اني اعذرك ..فأنت مهما كان ام ,,وترى مستقبل ابناءها مهدد..وهي مستعدة لعمل أي شيء ...لك الحق ان تغضبي وتثوري ...صدقيني افهم جيداً ما تعنيه الأمومة..رغم اني حرمت من حنانها.."
احست هذه اللحظة بفداحة غلطتها .. ومقدار ما عاناه من عذاب وحرمان وقسوة...لكن كل شيء فات ومضى ولا يمكن ارجاعه ولا اصلاحه ..بقي منه الندم..يضرب بسياطه نياط قلبها بلا رحمة.. ارتبك من نظراتها فمد يده ورفع خصل شعره الناعمة من على عينيه والتي عادت من جديد بمجرد ان قام من كرسيه..قال وهو يهم بالخروج.." جئت اطمئن على صحتك..واخبرك اني ..لن ارى اخواتي يضيعون واقف منهم موقف المتفرج..لن اتخلى عن اخواني..لأنهم اولاً اخواني وثانياً.. وصة ابي بهم.." وخرج ...قالت لنفسها.." لم يتحدث عني بشيء ..الم يوصه ابوه بي؟! كل اهتمامه منصب على اخوانه...وانا؟!" وضعت رأسها على ركبتيها وانفجرت تبكي..
***********************************
نزل من الدرج ..ورأى اخوته على جلسة كل يوم وقف ينظر اليهم قليلاً.. ثم حزم امره وتقدم منهم قائلاً:" لماذا تجلسون هكذا ؟!" نظر الابناء الى بعضهم بتعجب فهذه اول مرة يسألهم او يبدأهم الكلام..لكنه استمر قائلاً..:" هل ..هل انهيتم واجباتكم..؟!" قامت اخته الصغيرة تقول بغضب.." قالت لي المدرّسة ان لا احضر المدرسه مرة اخرى .." اندهش شاكر واقترب منها وجلس بجانبها قائلاً بغضب.." لماذا؟! ماذا فعلت لتطردك ؟!" رمت نفسها عليه وانفجرت تبكي...فاحتضنها قالت من بين دموعها.." تقول المعلمه..ان..ان.. لها شهـ...شهراً تطاردني فيهلأدفع مبلغ من المال..ولم ادفعه..انا لا املك هذا المبلغ من المال...لقد احرجتني.."
رفع رأسها وقال :" كم المبلغ المطلوب؟!" دفنت رأسها في كتفه وقالت:" مائة فقط.. لكني لا املكه ..وكلما طلبت امي تقول لا يوجد معي مثل هذا المبلغ.." سألها برقة وهو يمسح بيده على شعرها بحنان.." ولماذا لم تخبريني من قبل؟! لدي اموال كثيرة.." تدخلت اخته الثانية اسماء قائلة بعزة نفس.." يكفي يا امل.." التفت شاكر الى اخوته واحداً واحداً..وقال لهم.." وانتم هل تحتاجون مالاً..؟!" لم يجب احد فقط كانوا يتبادلون النظرات فيما بينهم من سيبدأ بالكلام اولاً..فصرخ بصرامة.." تحدثوا...هل تحتاجون مالاً؟!" فزعوا واطرقوا برؤسهم وهزوها موافقة ..فصرخ بهم " ولماذا لا تخبروني؟! لماذا لم تطلبوني..؟!ماذا افعل انا هنا اذن؟!"قالت اخته اسماء.." لم نكن نجرؤ على ذلك..الحقيقة كنا نخاف.."قام من مكانه وجلس في وسطهم واحاطهم بذراعيه..وقال بهدوء وحب وعطف.." ماهذا الكلام ؟ تخافون مني انا ؟ اخوكم الكبير؟!!!..انتم مخطئون في ذلك...انا لن اتخلى عنكم..كل ما تحتاجونه اطلبوه فقط .." قال اخوه ناصر..:" اننا نقصد اننا لا نستطيع ..ان نطلبك بمعنى اننا سنكون متطفلين...,...اقصد ان ما جمعته طوال السنين لا نستطيع مشاركتك به واجبارك على صرفها علينا ...فقررنا ان نعمل وندرس..و.." قاطعه شاكر قائلاً" لا اريد ان اسمع منكم هذا الكلام...غداً سوف تكبرون وتمسكون بزمام الامور..وتديرون شركاتي...انها لكم..هذه اموالكم..اما الآن فستتفرغون للدراسة تماماً وسأصرف عليكم من هذه الاموال حتى تكملوا دراساتكم العليا..ثم ابني لكل منكم بيته الخاص ومشروعه المستقل ا شاء الله...وسيتخصص كل منكم في المجال الذي يريده...او المكان الذي يحلو له في شركاتي..ثم ازوج اسماء لمن تحبه.." اطرقت اسماء حياءً..وابتسم هو مكملاً..:" ثم تتبعها امل.." صفقت امل فرحاً ..ضحك واكمل.." ولن تحتاجوا احداً طالما اني بجانبكم..اتفقنا..؟"
قال سالم.. لكن الن تتزوج مستقبلاً ..وتحتاج الى الاموال لأبنائك وعائلتك.."
ضحك شاكر بمرارة..وقال.." لا اظنني راغباً في الزواج على اية حال..اريد ان اربيكم.."...قالت امل " صحيح يا شاكر انك شديد الجمال لماذا لا تتزوج نحن البنات اذا وجدت بنت شديد الجمال خطبت بسرعة.." ضحك وقال ..:" اولاً لست بنتاً..ثانياً لم اجد من يخطبني.." تأثرت اسماء بكلامه وقالت بحزن..:" هل انت جاد في كل ما تقوله..؟!" وخانها صوتها فانفجرت تبكي.. وضع شاكر رأسها على كتفه وقال لها..:" نحن يا اسماء اخوان...وان كان فارق السن قد باعد بيننا..سنقارب العقليات..وسأدرس مشروعاتي في حجرة دراستكم..حتى نشعر اننا جيل واحد ما رأيك..اتفقنا؟!" قام الجميع وهم مبتهجون وقد زالت غمامة الكآبة عنهم...