أعزائي القراء آمل أن تقرؤو المقال التالي وتعطوني رأيكم الأدبي به
عندما كنت صغيرة وكنت أسمع عن السجن الإنفرادي كنت أقول بيني وبين نفسي كم هو محظوظ هذا الإنسان لديه من الوقت المتسع الكبير كي يغرق في أفكاره وفي تأملاته
ومشت بي سفينة العمر على صفحة مياه السنوات و أخذت مني الدنيا ما أخذت علاوة على ما أعطيتها وسكتت وحيدة
في قرية بدائية لا أملك للتخاطب مع أهلها حيلة أو سبيلا
محاطة بالكثير ولكن ليس هناك من أتحدث معه
نظرت يوما إلى نفسي في المرآة فلم أعرف من اللتي أنظر إليها
أصبحت كلما أغمضت عيناي أرى بيتنا القديم أرىيبت أبي العامر اللذي تغمره البركة
أرى إخوتي وهم صغار السن لم تسحبهم الدنيا كل إلى حياته
كلما أغمضت عيناي أشم رائحة طهو أمي
أراها في المطبخ مكتملة القوة
لكن أصعب لحظة هي عندما أستيقظ
دوما أكره لحظة الإستيقاظ لأنها تنتزعني من عالم حلو جميل دافئ صادق لتقذفني إلى عالم مظلم موحش بارد تماما كما فعل بي الزمان
أصبحت أنا عبارة عن ذكريات وأما من أراها في المرآة هي عجوز تنتحب شبابها اللذي سرق منها وهي في غفلة
لم يعد يهمني اللعب مع أبنائي كما كان في الماضي
لم تعد مشاعر زوجي تهمني كما كنت في الماضي
لم أعد أشعر بالحزن العميق كما لم أعد أشعر بالفرحة
عندما أدخلت هذا السجن بنيت بيني وبينه جدار كي لا أراه
وبعدها اكتشفت أني قد قمت بتضييق سجني حولي لم يعد هناك من أخاطب ولا من أحادث
لم يعد هناك من ألاعب وحتى الناس اللذين كانو أصدقائي فقدتهم ولا أدري ما اللذي يمكن أن أعيدهم
الآن وعندما أصبحت داخل السجن وأصبحت وحيدة لم يعد هناك ما أفكر به سوى اجترار الأذى وازدراد العبرات
اكتشفت أني أحب الناس وأحب العيش بينهم
واكتشفت أن الأفكار والتأمل لا يكون بعيدا عن الناس بل يتوهج بينهم
واكتشفت أن العلاقات الإنسانية كإبريق زجاج كبيير ورقيق إذا اصتدم يمكن كسره بسرعة ولا يمكن إصلاحه أبدا وإن رمم فلن يكون المنظر صافيا أبدا
لكن وللأسف اكتشفت هذا متأخرة جدا
فما انا الآن إلا عجوز وحيدة تقف وسط صحراء خاوية لا يحيط بها إلا الرمال من كل الجهات تبكي لتشرب فتبقى على قيد الحياة
كل صلاتها الإنسانية قد تحولت إلى رمال أينما التفتت تسفح الرياح وجهها بتلك الرمال إلى أن تعبت من ألم الإلتفات
فإلى كل إنسانة جارت بها الدنيا أقول
تأقلمي قبل فوات الأوان
ففي بعض الأحيان يكون اعترفنا بالهزيمة نصرا لنا لكي لا نتدرج إلى هزيمة أخرى