حبيت مشارك بموضوع عن تاريخ الكوت للكاتب عايد الجربد

بقلم: عايد الجريد
بعد أن أخذنا رأي* المشايخ والمفكرين في* الحلقات السابقة عن الادعاءات العراقية والأطماع،* نأخذ بعض آراء المؤرخين الذين تحدثوا عن هذه الادعاءات العراقية،* ومن الذين تحدثوا عن هذه الادعاءات د.رأفت* غنيمي* الشيخ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الذي* يرى من خلال كتابه* »حق العراق التاريخي* في* الكويت*« دعوى شيطانية حيث قال*: ان فكرة الحق التاريخي* للعراق في* الكويت لا أساس لها وانما ساقها صدام حسين لتبرير اجتياح قواته لأراضي* الكويت وتشريد أهلها كلاجئين في* الأقطار العربية وغير العربية*.
مبيناً* ذلك بدليل قال فيه*: ان شيخ الكويت لم* يكن خاضعاً* خضوعاً* كاملاً* للدولة العثمانية،* رغم اعترافه عام* 1829م بالسيادة العثمانية ورفع العلم العثماني* على داره بالكويت*.. ولا* يعني* الاعتراف بالسيادة العثمانية من جانب شيخ الكويت الارتباط بالعراق الخاضع للدولة العثمانية كولاية من ولاياتها*.
ويؤكد د.رأفت* غنيمي* الشيخ حديثه بدليل آخر فيقول*: لعلنا نتذكر أن قوات محمد علي* والي* مصر العثماني* امتد نشاطها الى الاحساء بعد عام* 1819م،* وتعامل مبعوث هذا الوالي* مع شيخ البحرين ومع الشيخ جابر حاكم الكويت تعاملاً* تعاونياً* دون أن* يكون لمصر قوات عسكرية في* البحرين أو الكويت*.
ويضيف د.رأفت* غنيمي* تمثل تعاون الشيخ جابر الصباح مع مبعوث محمد علي* الى الكويت فاستطاع أن* يرسل من هناك عدة سفن محملة بالأغذية وخاصة الشعير،* كما استطاع أن* يجمع معلومات عن الكويت والجنوب العراقي* المطل على الخليج،* وقد استطاع هذا المبعوث أيضاً* أن* يحصل على تقدير حاكم الكويت حتى أنه كان* يأخذ مكان الصدارة في* مجلس الحاكم،* ونتج عن هذا التعاون بين الشيخ جابر الصباح ومبعوث محمد علي* استخدام محمد علي* في* الاحساء سفن الأسطول الكويتي* الكبير المجهز تجهيزاً* جيداً* في* نقل شحنة من الأسلحة والعتاد العسكرية من ميناء الحديدة باليمن الى ميناء القطيف بالاحساء في* شهر نوفمبر عام* 1839م*.
ويضيف د.رأفت* غنيمي* الشيخ*: استاءت حكومة الهند البريطانية من استقبال الشيخ جابر الصباح للمبعوث المصري* بالكويت استقبالاً* طيباً* منذ عام* 1838م،* مما فسره البريطانيون كتبدل لموقف الشيخ جابر الذي* لم* يستقبل الملازم* »أدمونز*« مساعد المقيم العام البريطاني* في* الخليج الاستقبال الودي* المعهود،* عندما وصل الى الكويت في* نوفمبر عام* 1839م،* ونظراً* لأن البريطانيين لم* يشاؤوا توجيه انذار للشيخ جابر،* على* غرار الانذارات البريطانية لحاكم الشارقة وحاكم البحرين اللذين تعاونا مع قوات محمد علي،* فقد التمسوا للشيخ جابر الصباح العذر بأن مسلكه مع الملازم»أدمونز*« لم* يكن صادراً* عن نوايا سيئة نحو البريطانيين،* لكنه كان* يهدف الى خداع الوكيل المصري* - مبعوث محمد علي* - عن حقيقة العلاقة القائمة بينهما،* أي* بين الشيخ جابر وبين السلطات البريطانية،* وهو تبرير فيه خداع النفس وقبول الأمر الواقع من جانب البريطانيين أكثر مما في* الحقيقة التي* عرفها مساعد المقيم العام البريطاني* »أدمونز*«.
فيضيف د.رأفت* غنيمي* أنه عندما انسحبت قوات محمد علي* والي* مصر ليس فقط من منطقة الخليج بل من كل شبه الجزيرة العربية بعد أزمة عام* 1840م،* استعانت الدولة العثمانية في* عام* 1845م بالشيخ جابر الصباح لحماية ميناء البصرة بأسطول الكويت القوي*.
فهنا* يتبين لنا أن الأسطول الكويتي* الكبير استعانت به الدولة العثمانية لحماية ميناء البصرة،* وهذه الحماية جاءت بطلب ولم تكن بأوامر من الدولة العثمانية،* فلو كانت أوامر لا تضح ان الكويت تابعة وانما جاءت باستعانة من الشيخ جابر الصباح وهنا* يتبين أن ليس للدولة العثمانية وولايتها في* العراق سلطةً* على الكويت*.
فيبين لنا د.رأفت* غنيمي* دليلاً* آخر أن الكويت لم تكن تابعة للعراق فيقول*: حاول والي* بغداد العثماني* محمود نامق باشا الذي* تولى اليشوية في* الفترة من عام* 1866م الى عام* 1869م مد النفوذ العثماني* الى الكويت عن طريق انشاء جمرك وادخال نظم الادارة العثمانية،* واسناد منصب القائمقامية الى أمير الكويت،* ولكن هذه المحاولة لم* يكتب لها الاستمرار حيث رأى شيخ الكويت في* ذلك قضاء على مكانة الكويت لحساب البصرة،* واستمر ميناء الكويت* يباشر دوره الاقتصادي* المتميز بالمنطقة*.
ومن خلال ما أكده د.رأفت* غنيمي* الشيخ بأن دعوة العراق دعوة شيطانية،* مستنداً* على أدلة تاريخية أثبت أن الكويت لم تكن تابعه للعراق بل على العكس كانت الكويت تلعب دوراً* مهماً* في* الجزيرة العربية من خلال موقفها مع قوات محمد علي* التي* كانت على خلاف مع الدولة العثمانية،* وهناك رأي* للدكتور جمال زكريا قاسم* يؤكد ويعضد ما قاله د.رأفت* غنيمي* الشيخ وأيضاً* يؤكد هذا الخلاف بين الدولة العثمانية ومحمد علي* فيقول د.جمال زكريا قاسم*: أن العلاقة التي* أقامتها الكويت مع القوات المصرية التي* وصلت الى الخليج في* عهد محمد علي،* مما* يدل هذا الموقف التي* وقفها الشيخ كانت متناقضة تماماً* للسياسات والمصالح العثمانية حيث كانت العلاقات قد تأزمت في* ذلك الوقت بين الدولة العثمانية ومحمد علي* الذي* كانت قواته قاب قوسين أو أدنى من دخول الأستانة عاصمة الدولة العثمانية*.
ويضيف د.جمال زكريا قاسم دليلاً* آخر وقاطعاً* فيقول*: الا أننا نريد أن نؤكد مع ذلك أنه لم* يثبت تاريخياً* أن الكويت كانت تدفع بانتظام زكاة للدولة العثمانية،* وعلى العكس من ذلك كان حكام الكويت هم الذين* يتلقون مكافآت سنوية من الدولة مقابل حمايتهم لشط العرب دون التزام بتلك الحماية،* أما عن قبول بعض حكام الكويت للقب القائمقام فينبغي* أن نؤكد أن هذا اللقب كان* يمنح بموجب فرمان من السلطان العثماني* ولم* يكن* يمنح من ولاة الدولة في* بغداد أو البصرة،* كما كان القبول بهذا اللقب قبولاً* شكلياً،* يؤكد ذلك أنه لم* يكن أي* من أولئك الحكام حريصاً* على استخدامه،* فالشيخ مبارك رغم قبوله لهذا اللقب،* تماشياً* مع التوازنات الدولية والمحلية،* فانه لم* يستخدمه في* مكاتباته الرسمية بما فيها المكاتبات التي* كانت* يبعث بها الى السلطات العثمانية والتي* كان حريصاً* فيها على تلقيب نفسه بحاكم الكويت ورئيس قبائلها*.
فما ذكره د.جمال زكريا عن قبول بعض حكام الكويت قائمقام أن هذا القبول أيضاً* جاء لمكانة الدولة العثمانية التي* أخذت مكانة الدولة الاسلامية وهذا ما* يؤكده لنا د.جمال زكريا في* الأسباب التي* جعلت السفن الكويتية تستخدم الرايات العثمانية*.
ويضيف د.جمال زكريا قاسم ويؤكد انعدام مظاهر السيادة العثمانية على الكويت بدليل اخر فيقول*: القضاء العثماني* وهو مظهر أساسي* من مظاهر السيادة لم* يكن مطبقاً* في* الكويت،* اذ كان للكويت قضاؤها الخاص بها،* كما أن الكويت لم تلتزم بالعملة العثمانية،* وهي* مظهر آخر من مظاهر السيادة،* اذ أن النشاط التجاري* للكويت أقتضى تمتعها بحرية التعامل بمختلف العملات المتداولة في* منطقة الخليج سواء كانت عملات أوروبية أو هندية أو فارسية أو عثمانية دون التزامها بعملة بذاتها*.
فالدكتور جمال زكريا قاسم* يبين لنا أيضاً* العوامل التي* جعلت السفن الكويتية في* بعض الأوقات تستخدم الراية العثمانية،* مؤكداً* أن استخدام السفن الكويتية للراية العثمانية لا* يمثل دليلاً* على تبعية الكويت للدولة العثمانية،* وانما استدعت المصالح الأمنية والاقتصادية استخدام السفن الكويتية لتلك الراية ويرجع ذلك الى عاملين رئيسيين*:
أولهما*: أن استخدام الراية العثمانية لم* يتم من خلال ترتيب خاص بين الكويت والدولة العثمانية،* وانما تم من خلال بادرة كويتية،* كانت تستهدف ضمان أمن السفن الكويتية في* عرض البحر بحكم أن القوى الكبرى التي* دخلت الخليج وعلى رأسها بريطانيا لم تكن تعترف بالرايات المحلية للقوى العربية التي* لم تنضم الى معاهدة الصلح الحربي* ولم تكن الكويت قد انضمت الى تلك المعاهدة الا لفترة مؤقتة لم تستمر أكثر من عام واحد*.
العامل الثاني*: ان رفع الراية لم* يكن سوى مظهر من مظاهر الاحترام الديني* لدولة الخلافة الاسلامية،* يدل على ذلك أنه على الرغم من الخلافات التي* نشبت بين الشيخ مبارك وبين السلطات العثمانية فقد ظل حريصاً* على استخدام هذه الراية بل أنه رفض طلب الحكومة البريطانية استبدالها براية أخرى،* وكانت وجهة نظره أنه* يرفع هذه الراية باعتباره مسلماً* وليس باعتباره من رعايا الدولة العثماني،* وعلى الرغم من أنه وقف الى جانب بريطانيا ضد الدولة العثمانية في* الحرب العالمية الأولى فقد ظل* يستخدم الراية الاسلامية ولم* يعدل عن موقفه الا بعد أن تعرضت احدى السفن الكويتية لقذائف السفن الحربية البريطانية باعتبارها خطأ من السفن المعادية*.
ويؤكد ما قاله د.جمال زكريا قاسم لرفع العلم،* د.سليمان الشطي* فيقول*: أنه حتى في* رفع العلم العثماني* كانت هناك في* مرحلة اشارة الى اسم الكويت في* زاوية العلم،* مما* يدل على أن هناك تحرزاً* في* هذه القضية*.
فالدكتور الحبيب الجنحاني* كان له رأي* في* هذه الادعاءات فيما* يخص الخلافة العثمانية التي* لم* يكن لها وريث فيقول*: يعني* الاعتماد على ما زعم وأدعى من أن الكويت كانت لها نوع من التبعية تجاه محافظة البصرة أو الوالي* العثماني،* سواء كان بالبصرة أو بغداد،* وهذا أمر* غريب ومنطق لا* يخضع للنقد التاريخي،* لأنه حتى اذا كانت هذه التبعية فعلاً* ثابتة وموجودة فما علاقة العراق،* هل هي* الوريث الذي* قدم نفسه وريثاً* شرعياً* للخلافة العثمانية؟ هذا تاريخاً* يستلزم النقد التاريخي،* حتى وان سلمنا جدلاً* بأن هذه العلاقة كانت علاقة تبعية فما علاقة العراق بذلك؟
فتقول الدكتورة فتوح الخترش ان الكويت لم تشهد ما شهدته الولايات العثمانية من ايفاد* »حاكم* « أو* »والي*« من قبل الدولة العثمانية* يتولى أمورها،* ولا عرفت* »الأنكشارية*« أو مماليك* يشاركونه السلطة ويخضعون للأستانة،* وانما كان شيخ الكويت دائما من صلب أبنائها،* ولم* يكن هناك أي* مسؤول عثماني* يزاحمه في* نفوذ أو* يشاركه السلطة أو* يملي* عليه سياسته*. وعلى امتداد تاريخ الكويت الحديث،* كان شيوخها* يدخلون في* عهود ومواثيق مع الدول الأخرى،* ويقدمون تعهدات ويلتزمون بمواقف،* متطلعين في* كل ذلك لما* يرونه محققا لمصالحهم ومؤكدا لهويتهم الخاصة،* ومحققا لاستقلالهم،* ودعما لأركان دولتهم،* وان حدث اللقاء أو التطابق بين الموقف الكويتي،* وما تسعى اليه دولة الخلافة،* فكل الحقائق تقطع بأنها كانت حالات لقاء* »للمصالح*«،* وليس لقاء* »التبعية*«،* وأما الحديث عن دفع الزكاة،* أو وصف شيخ الكويت،* بـ»القائم مقام*« الذي* يمثل سلطة الخليفة،* فانما* يندرج كل ذلك في* اطار الممارسة السياسية الممكنة في* ظل موازين القوى القائمة،* والرباط الروحي* بدولة الخلافة،* وهو ربط مجرد من أي* محتوى سياسي،* وفي* اطار الصراعات والتوازنات الدولية التي* تحتم على الكويت أن تشق طريقها من خلالها متمسكة لهويتها الخاصة،* ومحافظة على استقلالها*.
فتقول ولنبدأ هذه الصراعات منذ تولي* أل الصباح مشيخة الكويت في* عام* 1752م،* في* ذلك الوقت كان الصراع قد حسم لصالح بريطانيا التي* احتلت مركز الصدارة في* تجارة الخليج،* وراحت تسعى لاحتكارها*. وشهدت هذه الفترة تفاقم النزاع بين شاه فارس كريم خان وباشا بغداد،* واندلعت الحرب بينهما،* فتمكن كريم خان من الاستيلاء على البصرة عام* 1775م فتحولت تجارة الهند والبصرة الى الكويت*.
وكان هذا التطور ارهاصا* يكشف عما تمثله الكويت من بديل ومنافس تجاري* خطير للبصرة خاصة وقد جعلت منها شركة الهند الشرقية البريطانية الطرف الجنوبي* لطريق بريدها الصحراوي* المتجه الى حلب*.
وفي* عام* 1793م تفجرت اضطرابات عنيفة في* البصرة اضطر المقيم البريطاني* ازاءها على نقل مركز قيادته الى الكويت،* ولمدة عامين تقريبا،* وتشير الدلائل الى التقدم الايجابي* الواضح للعلاقات البريطانية* - الكويتية في* تلك المرحلة والى العلاقة الوثيقة التي* قامت بين ثاني* حكام الكويت الشيخ عبد الله الصباح والجانب البريطاني* الذي* كان* يكن له احتراما كبيراً* كرجل* »يحافظ على كلمته* «.
ومرة أخرى،* ونتيجة لتجدد الاضطرابات المحلية في* البصرة نقلت شركة الهند الشرقية البريطانية مكاتبها على الكويت في* الفترة مابين* 15* من ديسمبر سنة* 1821م الى* 19* من أبريل سنة* 1822م،* ثم وقع شيخ الكويت معاهدة الهدنة البحرية مؤقتا مع بريطانيا في* عام* 1841م*- ودون استئذان الباب العالي* - وقد تم هذا بالمصادفة وليس بالقصد،* فعندما زار هينيل* - مساعد المقيم في* الخليج العربي* - الكويت في* شهر أبريل سنة* 1841م،* بايعاز من السلطات البريطانية للتأكد مما اذا كانت تصلح لاتخاذها قاعدة،* محاولا اخفاء القصد الحقيقي* من مهمته حين قال*: انه جاء للبحث في* احتمال انضمام الكويت الى نظام الهدنة* .
ونتيجة للمطامع الروسية والألمانية الزاحفة التي* تجسدت بكل جلاء منذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت بريطانيا تمارس سياسة أكثر ايجابية ازاء الكويت،* وكانت الظروف مهيأة لذلك تماما عندما تولى الشيخ مبارك الصباح الامارة في* مايو* 1896م،* فالشيخ الجديد كان* يواجه مصاعب جمة من منافسيه المحليين من أجل توطيد سلطته،* لذلك لجأ الى بريطانيا طالبا حمايته في* سبتمبر* 1897م،* ولكن المقيم البريطاني* بالخليج أرسل اليه مبعوثا* ينصحه بالبقاء على ولائه للباب العالي،* اذ ان الصراعات الدولية الممتدة على الساحة العالمية،* وعلى الساحة الخليجية كانت تملي* على بريطانيا أن تواصل سياسة الابقاء على* »رجل أوروبا المريض* «-الدولة العثمانية* - خشية أن تقع الغنيمة في* أيدي* القوى الأخرى المنافسة،* وأملا في* أن تظل هذه الدولة،* رغم ترنحها،* سدا في* وجه مطامع الدول الأوروبية الأخرى*.
وشهدت هذه الحقبة محاولات متكررة من جانب الشيخ مبارك للدخول تحت الحماية البريطانية،* وعزوف بريطانيا عن الاستجابة مادامت مصالحها آمنة بشكل أو بآخر* . مع العلم أن المقيم البريطاني* السياسي* في* الخليج الكابتن ميد،* كان من أشد المؤيدين للشيخ مبارك،* لأنه كان* يفكر في* احتمال اقامة علاقات أوثق بين الكويت وبريطانيا،* ولم تكن هذه الاحتمالات في* رأيه تمثل عقبة لا* يمكن تخطيها من أجل توسيع هذه العلاقات،* لأن الأتراك لم* يمارسوا أبدا حقوقا للسيادة في* الكويت،* ولا الحكومة البريطانية اعترفت بفرض حماية الأتراك على الكويت*. وعلى هذا الأساس طلب من حكومة الهند* - وهي* الجهة التي* ترسم السياسة البريطانية آنذاك* - السماح له بمواصلة المفاوضات* .
وفي* الوقت نفسه الذي* كانت وزارة الخارجية البريطانية في* لندن تتلقى فيه هذا الطلب بعث* »ميد*« رسالة الى حكومة الهند* يحدد فيها رأيه،* فيها* : »أن الشيخ مبارك حاول أن* يحصل على اعتراف تركيا ولكن* يبدو أنه لم* ينجح تماما ونظرا لأنه لم* يحصل حتى الآن على اعتراف رسمي* من الباب العالي* (لأن والي* البصرة لا* يمثل الحكومة التركية ككل* ) لذلك تصبح له كل الحرية في* أن* يتعامل مع كل الدول الأخرى* .ومن المؤكد أنه لن* يكون هناك أي* اعتراض على مد نفوذنا على النحو الذي* لابد أن* يثبت فائدته سواء بالنسبة لنا أو لتقدم الحضارة*«،* فقد رفضت وزارة الخارجية التماس المقيم*.
وعلى الرغم من تعدد المذكرات البريطانية بصدد موضوع طلب الحماية*- وكلها تشير الى ضعف الروابط التي* تصل بين الكويت والدولة العثمانية،* وبالتالي* تبرر لبريطانيا قبول الحماية دون أن* يكون في* ذلك مساس بمبدأ المحافظة على سلامة الدولة العثمانية*- فان السلطات البريطانية في* لندن لم تكن راغبة في* التدخل في* الخليج العربي* وخاصة في* الكويت بأكثر مما* يلزم المحافظة على الأمن العام*.
ولكن الأوضاع تمخضت من حدثين جديدين،* غيرا السياسة البريطانية تغييرا جذريا*.
أما الحدث الأول فهو نجاح ألمانيا،* في* نوفمبر* 1898م،* في* عقد اتفاق تمهيدي* مع الحكومة العثمانية لمد خط سكة حديد برلين*/ بغداد،* وفي* الوقت نفسه راجت الشائعات عن وجود المشروع الروسي* الذي* يتزعمه كاببنست للحصول على امتياز لمد خط سكة حديد من أسكندرونة على البحر المتوسط الى الخليج،* وفي* جميع الأحوال كانت للكويت أهمية عظمى بالنسبة لتلك المشروعات* .
أما الحدث الثاني* فهو تعيين اللورد كيرزن نائبا للملك في* الهند وكان كيرزن معنيا بأمر الكويت حتى قبل وصوله الى الهند*.
وكان المقيم في* الخليج قد بعث برسالة خاصة* يشير فيها* » الى أن المحاولات الألمانية والروسية في* الكويت محتملة جدا*«،* ثم أضاف* : »أنه لا* يمكن القيام بأي* شيء لمساعدة الشيخ مبارك ما لم* يستقر في* ذهننا أننا سنقوم بحمايته* « وفي* شهر نوفمبر* 1898م،* وبعد تعيين اللورد كيرزن وقبل أن* يباشر مهام منصبه أعد مذكرة تفصيلية عن الموقف الحرج،* شرح فيها وجهة نظره بخصوص رفض الوجود الروسي* في* منطقة الخليج،* ونتيجة لتسارع الأحداث في* المنطقة وجدت بريطانيا نفسها منساقة لفتح باب للتفاوض مع الشيخ مبارك،* ووقعت المعاهدة السرية بين الطرفين في* يناير* 1899م،* تلك المعاهدة التي* جاءت تجسيدا لفوز بريطانيا بهذه الجولة من جولات الصراع الدولي* في* الخليج*.
ففي* شهر ديسمبر* 1901* م وصلت السفينة الحربية* »زحاف*« الى الكويت* - على ظهرها نقيب البصرة* - حاملة انذارا لشيخها تخيره فيه بين أمرين لا ثالث لهما* : اما أن* يتوجه الى العاصمة ليحيا حياة طيبة كعضو في* مجلس الدولة،* أو أن* يطرد من الكويت*. وأعطي* مهلة ثلاثة أيام للرد*.
وطلب الشيخ الى من قائد القوة البحرية البريطانية*- وكانت السفينة بيجون ترسو في* مياه الكويت في* ذلك الوقت*- أن* يهدد بقصف الكويت بالنيران اذا اذعنت الكويت لما قدم اليها من مطالب،* وأعلن أنه لن* يطمئن الا اذا أحس أنه لا* يتحمل مسؤولية الرفض وحده*. واستجابت السلطات المعنية في* بريطانيا على الفور*: بأن وجهت النصح للشيخ مبارك التزحزح من الكويت،* على أن تتقدم السفارة البريطانية في* الأستانة في* الوقت نفسه باحتجاج شديد اللهجة* يبلغ* فيه الباب العالي* أنه اذا أصر على اثارة هذه القضية فسوف* »نضطر الى تسوية أقل ملائمة لمصالحهم*« وبينما وزير الخارجية التركي* يدعي* جهله التام بما أقدم عليه نقيب البصرة،* كان هذا المسؤول نفسه* يلتقي* بالشيخ مبارك وقائدي* السفينتين بيجون وسفينكس التي* وصلتا بدورهما الى مياه الكويت،* وأبلغ* الشيخ مبارك النقيب أن الانكليز سيطلقون النار اذا استسلم للمطالب،* وأكد القائدان هذا القول*.
ورحلت* »زحاف*« عائدة من حيث أتت،* ولكن ظل قائد القوة البحرية البريطانية على* يقين بأن الأتراك سيهاجمون الكويت لا محالة* . وبالفعل تواترت الشائعات حول هجوم تركي* وشيك قد تتعرض له الكويت.هناك قامت القوات البريطانية في* الخليج بالتأهب للدفاع عن الكويت،* وقامت السفن الحربية البريطانية بمطاردة السفن التركية التي* حملت القوات الموجهة لغزو الكويت*. وفي* الوقت نفسه،* بينما كان الموقف* يتأزم بين الكويت والسلطات العثمانية في* البصرة،* كانت هناك اتصالات جارية بين الدولة العثمانية والحكومة البريطانية حول المحافظة على* »الوضع القائم*«،* وعلى درجة ومدى الاستقلال الذي* يمارسه الشيخ مبارك.وقد تعهدت الحكومة العثمانية من جانبها بأنها لن ترسل قواتها الى الكويت،* وبأنها ستبذل كل ما في* وسعها من أجل اقناع ابن الرشيد أمير نجد والعدو اللدود للشيخ مبارك،* بانتهاج سياسة سليمة نحو الكويت*.
أما بالنسبة لبريطانيا فقد تعهدت بألا تعلن الحماية على الكويت أو أن ترسل قواتها عليها،* وبأن تقنع الشيخ مبارك بوقف اغارته على نجد*. وقد عبرت السلطات التركية* - البريطانية عن رضائهما على هذا الاتفاق الذي* صدر في* سبتمبر* 1910م،* أما الأتراك فقد رضوا لأنهم استعادوا سيادتهم الشكلية على الكويت،* بينما رضي* البريطانيون لأن الكويت دخلت تحت سيطرتهم من الناحية الفعلية،* ولأنهم سيتمكنون نتيجة لهذا الاتفاق من المشاركة على قدم المساواة مع الألمان،* والواقع أن المصالح التجارية البريطانية كانت تتمتع بحماية شروط ملزمة من أية رسوم أو مكوس تفضل أية دولة أخرى عنها في* المعاملة*.
فعندما قدمنا الأدلة القاطعة التي* تثبت أن الكويت لا تتبع أي* ولاية من ولايات بلاد الرافدين،* وأن الكويت مستقلة بكيانها،* فلو نظرنا أيضاً* من الناحية الجغرافية* يتبين لنا حتى جغرافياً* الكويت لم تكن* غير مرتبطة مع بلاد الرافدين*.